سبتمبر 18, 2025
معاناتي من النزوح المتكرر إلى بتر القدمين في حرب الإبادة
مشاركة
معاناتي من النزوح المتكرر إلى بتر القدمين في حرب الإبادة

تاريخ الإفادة: 31/08/2025

إذكاء فريد عبد الكريم رجب، 35 عاما، سكان بيت لاهيا، ونازح حاليا في غزة.

أعمل مدرسًا للمرحلة الابتدائية بنظام عقد مؤقت، وأعمل أيضًا في تربية الدواجن. أنا من سكان مدينة بيت لاهيا، حي الشيماء، مقابل النادي الشمالي. كنت أعيش مع والدي ووالدتي في بيتنا الخاص المكوّن من أربعة طوابق على مساحة 220 م2. عشت حياة هانئة وهادئة في كنف والديَّ المتقاعدين عن العمل. وقبيل عدوان 2023، أنفق والداي كل ما يملكان من مدخرات في شراء منزلين في شارع المخابرات كاستثمار للمستقبل، لكننا فوجئنا بهذه الحرب الشرسة التي لم يسبق لها مثيل.

في ليلة السابع من أكتوبر 2023، كنت على شاطئ بحر بيت لاهيا شمال القطاع في سهرة مع أصدقائي حتى ساعات الفجر. كانت ليلة جميلة، وعدت إلى البيت قبل الفجر، صليت الفجر ونمت، وبعد ساعتين استيقظت على أصوات صواريخ. لم يكن واضحًا ما يجري، هل هي غارات وهمية أم قصف إسرائيلي؟ مع مرور الساعات اتضح أنها صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية ردًا على المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا.

وبسبب وقوع بيتنا في منطقة حدودية ببيت لاهيا، شارع الشيماء مقابل النادي الشمالي، نزحنا فورًا إلى منطقة الدوار الغربي في بيت عمي توفيق رجب لمدة لا تتجاوز أسبوعين.

بعدها اشتدت الخطورة، فنزحنا مرة ثانية إلى معسكر جباليا في بيت خالتي. كنا أربعين شخصًا في بيت واحد. عانينا من قلة المياه والغذاء، وكنا نخاطر بحياتنا بالذهاب إلى بيت لاهيا عند عمي توفيق لإحضار مياه الشرب. تواصل النزوح مع استمرار الحرب. ومع بداية الشتاء لم نملك ملابس أو أغطية، فاشترينا ما توفر في السوق. ازدادت وتيرة القصف على المخيمات والبلوكات، فانتقلنا إلى عيادة الأونروا في معسكر جباليا، ومكثنا فيها قرابة شهرين ونصف، أنا وثمانية من أفراد عائلتي، في ممر لا تزيد مساحته عن 12 م2.

كنا نعاني في الحصول على مياه الشرب التي كانت تتوفر فقط لساعتين في اليوم. أما الطعام، فبدأت ملامح المجاعة تظهر؛ لم يتوفر في السوق سوى بعض الأطعمة المحدودة مثل الأرز والخبيزة (السبانخ البري) والعدس، وكانت أسعارها مرتفعة جدًا.

 فقدنا الخصوصية بسبب النزوح مع غرباء، وكانت النظافة شبه معدومة، والمستلزمات الأساسية غير متوفرة. استمر الوضع حتى منتصف رمضان 2024، حين خرجنا من العيادة بعد أن استهدف الاحتلال ألواح الطاقة الشمسية فيها بصاروخ استطلاع، بالتزامن مع بدء التوغلات البرية القريبة. فانتقلنا إلى مدرسة أبو حسين في معسكر جباليا، حيث اشتدت المجاعة. كنا نصوم طوال النهار ونفطر عدسًا أو خبيزة فقط. الخبز لم يكن متوفرًا إطلاقًا، فكنا نطحن الشعير وأعلاف الدواب لصناعة خبز يابس غير صالح للأكل، نضطر لتبليله بالماء كي نتمكن من تناوله.

مكثنا في مدرسة أبو حسين شهرين. بدأت عمليات الإنزال الجوي للمساعدات فخففت قليلًا من المجاعة، لكن الأسعار ظلت مرتفعة. المياه كانت أفضل حالًا بفضل وجود غاطس.

بتاريخ 18/5/2024، ألقى الجيش مناشير تطالب بإخلاء المدرسة والتوجه إلى وسط مدينة غزة. فضلت النزوح لمكان قريب من البيت، بينما نزح والدي إلى بئر النعجة غرب مخيم جباليا. كانت معاناة قاسية أن تترك والديك تحت القصف وهما بحاجة إلى رعاية خاصة. كنت أبيت في مدرسة الشيماء القريبة من البيت.

بتاريخ 20/5/2024، خرجت للتسوق برفقة صديقي كرم سلمان (25 عامًا). بحثنا طويلًا عن حاجيات أساسية حتى وصلنا مشروع بيت لاهيا. عند شارع الدقع قرب مدرسة الفاخورة استهدف الطيران الحربي الشارع بثلاثة صواريخ استطلاع، بينها منزل لعائلة الكحلوت. أصبت في القصف بينما استشهد صديقي محمد كرم. فقدت الوعي ونقلت إلى مشفى كمال عدوان، ثم إلى مشفى المعمداني شرق غزة بسبب تهديدات الاحتلال وإخلاء كمال عدوان. امتلأ المستشفى بالمصابين. تُركت أنزف طويلًا قبل دخولي العمليات، التي استمرت 3–4 ساعات دون بنج بسبب نفاده. بترت ساقاي الاثنتان من فوق المفصل، وأصبحت من أصعب حالات البتر. بعد العملية مكثت خمسة أيام فقط، وهو وقت غير كافٍ. لم تتوفر العلاجات أو التغذية اللازمة، وكان عليّ شراء بعض المسكنات على حسابي الخاص. لولا تدخل ابن عمتي الدكتور مازن رجب، أخصائي التخدير، لتدهورت حالتي أكثر.

واجهت انهيارًا نفسيًا بسبب الإصابة وفقدان مصدر رزقي. لم أجد كرسيًا متحركًا إلا بعد أشهر من أحد المتبرعين، لكنه لم يكن عمليًا في شوارع غزة المدمرة. عانيت في التنقل، حتى في قضاء حاجتي. أسعار الغذاء كانت خيالية، كبيضة بلدية بـ17 شيكلًا أو علبة تونة بعشرة أضعاف سعرها. احتجت لأطعمة غنية بالبروتين والكالسيوم لتسريع شفائي، لكن الاحتلال حرمنا منها.

نزحت أكثر من 15 مرة. واجهت القصف المستمر والمجاعة وانعدام الدواء. أصبت بنوبات كهرباء لستة أشهر متواصلة. أخرج الدكتور مازن شظية بطول 5 سم من ظهري بعملية منزلية ليلًا أنقذت حياتي.

مع كل جولة نزوح، ازدادت معاناتي، خاصة مع الكرسي المتحرك. في ديسمبر 2024، أمر الجيش بإخلاء بيت لاهيا بالكامل، فنزحنا إلى مشفى الإندونيسي. تعرضنا لقصف مباشر وشاهدت استشهاد شابين أمامي. أصيب قريبي ريان رجب (14 عامًا) بشظية في ظهره، واخترقت شظية أخرى الكرسي المتحرك بجانبي. عبرت الحاجز الإسرائيلي بصعوبة بمساعدة صديقي عبد رجب (28 عامًا). اعتقلني الجنود لساعات، وضربوني على مكان البتر، وحققوا معي تسع ساعات ظنًا أنني من المقاومة.

تنقلت بعدها بين بيوت أقاربي في غزة والشاطئ، وصولًا إلى هدنة 19/1/2025 التي منحتني أملًا بالسفر للعلاج. لكن الاحتلال دمّر بيتنا بشكل كامل لاحقًا. استمر النزوح والمعاناة، ولا أزال حتى الآن أعاني في التنقل بكرسي متحرك متهالك، وأحتاج إلى سفر عاجل للعلاج وتركيب أطراف صناعية تمكنني من عيش حياة طبيعية.

أتمنى من الجهات الدولية مساعدتي بتوفير كرسي كهربائي، والسماح بسفري للعلاج، وأن تتوقف الإبادة بحق المدنيين العزّل في غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *