الصورة تعبيرية – لا تعود لصاحبة الإفادة. من داخل مستشفى الشفاء عقب غارة إسرائيلية على غزة
تاريخ الإفادة: 17/8/2025
هيا عبد الكريم عبد الهادي شحادة، 24 عاما، متزوجة وأم لطفلة، سكان مخيم النصيرات وسط القطاع.
أنا متزوجة من يعقوب خضر شحادة، 30 عاما، أسكن في شقة في مخيم النصيرات، أبراج الصالحي، ولدي طفلة واحدة (كارما، سنتان).
في السابع من أكتوبر لعام 2023، في حوالي الساعة 6:30 صباحًا، استيقظت على صوت انفجارات قوية، مع صوت صراخ طفلتي من شدة خوفها من ذلك الصوت. على الفور أمسكت بطفلتي لأخفف من روعها. لم يخطر ببالي أن تكون أصوات صواريخ وانفجارات وحرب. بعد وقت قليل ازدادت الأصوات، وحينها عرفنا السبب الحقيقي وراءها.
ولأنني أقيم في شقة عالية جدًا تكشف كل ما حولنا، كان الوضع مخيفًا للغاية، خاصة أن جيش الاحتلال أول ما بدأ به هو استهداف الأبراج العالية. وبسبب خوفي الشديد خرجت من منزلي وتوجهت إلى منزل أهلي في مخيم النصيرات أيضًا.
كنت بين الحين والآخر أعود إلى منزلي لأحضر بعض المستلزمات وأعود لمنزل أهلي، ولكن عندما استقر جيش الاحتلال في محور نيتساريم أصبح من الصعب علينا العودة للمنزل، لأن شقتي عالية وسأصبح مكشوفة، وكان جيش الاحتلال يستهدف أي مكان عالٍ يلاحظ فيه حركة. لهذا مكثت في منزل أهلي ولم أعد مرة أخرى إلى منزلي.
بعد مرور عدة أشهر ازداد الوضع سوءًا في مخيم النصيرات، وهدد جيش الاحتلال مناطق عديدة بضرورة الإخلاء، فخرجنا وتوجهنا إلى منزل أحد الأقارب بالقرب من الزوايدة. وبعد فترة قصيرة، وعندما خفّت وتيرة الأحداث في المنطقة، عدنا مرة أخرى إلى منزل أهلي، رغم أن مخيم النصيرات كان يشهد بين الحين والآخر عمليات عسكرية نوعية، لكن لم يكن أمامنا حل سوى المكوث في المنزل.
ورغم كل شيء لم نسلم من استهدافات جيش الاحتلال. ففي حوالي الساعة 02:00 فجرا بتاريخ 25/6/2025، استيقظت على والدتي وهي تتفقدنا جميعًا وتطمئن علينا. سألتها عمّا بها، فأجابت بأنها فقط تطمئن أننا بخير. حينها استيقظت ابنتي كارما لتحضنني بقوة. ذهبت والدتي، وأمسكت بطفلتي حتى تنام مرة أخرى، ولم أشعر إلا وكأن كهرباء تضرب جسدي وشيئًا ثقيلًا يطبق عليّ ويضغط على نفسي، فبدأت ألتقط أنفاسي الأخيرة وأتشهد. لم أعرف هل ما زلت على قيد الحياة أم لا، وهل ابنتي ما زالت تتنفس أم لا.
بعد مرور ربع ساعة رفعوا الركام عن وجهي لأستطيع التنفس، وأخرجوا ابنتي من حضني. لم يخطر ببالي سوى أنها مصابة. تم نقلنا إلى مستشفى العودة، وكان وضعي الصحي خطيرًا جدًا حتى أنهم أخبروا عائلتي بأنني استشهدت. على الفور تم نقلي إلى مستشفى شهداء الأقصى، ووُضعت في العناية على أمل إنقاذ حياتي. بعد مرور 12 ساعة على فقداني الوعي، عدت ألتقط أنفاسي وبدأ الضغط ينتظم لدي والتنفس يعود تدريجيًا. كل هذا الوقت لم أكن أعلم بالصدمة الكبرى التي تنتظرني.
عندما بدأت أستعيد وعيي كان أول ما سألت عنه ابنتي كارما ووضعها. وجدت زوجي يحملها، فاعتقدت في البداية أنها مصابة، ولكن عندما أمسكت بها وجدتها ملاكًا نائمًا قد استشهدت وهي في حضني. صرخت بشكل لا إرادي: كيف فقدت وحيدتي؟ بعدها أخذها زوجي ليدفنها، وكان ذلك آخر حضن أحتضنها فيه فقيدة قلبي. لم أكترث لإصابتي، فقد كانت صدمتي أقوى من إصابتي. كنت قد تعرضت لكسور وحروق في مختلف أعضاء جسدي، لكن ألم فقدان ابنتي كان أكبر من أي إصابة.
ورغم أن الاستهداف كان موجّهًا إلى منزل الجيران، إلا أن الضرر لحق بنا بشكل كبير. فقد أصبت ومكثت في المستشفى حتى اليوم (تاريخ أخذ الإفادة)، لا أستطيع الحركة نتيجة الكسور المتعددة في جسدي، وفقدت طفلتي وحيدتي. كما استشهد أخي (عبد الهادي عبد الكريم عبد الهادي شحادة، 21 عامًا)، وأصيب والدي (عبد الكريم عبد الهادي شحادة، 53 عامًا) بشظية في القدم تسببت بتهتك في العظام وقطع في الأوتار. وأصيبت أختي (راما عبد الكريم شحادة، 14 عامًا) بشظية في الرأس بالقرب من مركز الأعصاب، وأصيب أخي (قصي عبد الكريم شحادة، 10 سنوات) بشظية في القدم.
كل هذه الإصابات والفقدان والاستشهاد كانت نتيجة استهداف الاحتلال منزل الجيران، فكيف يكون حال من يتم استهدافه بشكل مباشر؟ هذا عدا عن تدمير منزل أهلي بالكامل.
لقد فقدنا في هذا العدوان أعز ما نملك على قلوبنا. فقدت وحيدة قلبي التي لم أفرح بها بعد، وفقدت أخي، وأصبحت غير قادرة على الحركة. كل ما أتمناه الآن أن أستعيد صحتي وأتمكن من الحركة، وأن تنتهي هذه الحرب قبل أن تجهز على من تبقى منا.