أغسطس 25, 2025
الطفلة جودي عزام: من فراشة العائلة الى الناجية الوحيدة من مجزرة محت اسرتها في لحظة
مشاركة
الطفلة جودي عزام: من فراشة العائلة الى الناجية الوحيدة من مجزرة محت اسرتها في لحظة

تاريخ تحرير الإفادة: 4/8/2025

أنا هناء ناصر حسن عزام، 29 عاماً، سكان غزة تل الهوى شارع الدحدوح، بعد النزوح النصر شرق مول استيبس، وأنا خالة الطفلة جودي حسام عزام.

في مساء يوم الاثنين، 14 يوليو 2025، عند الساعة السابعة وعشر دقائق، ارتكب الطيران الحربي الإسرائيلي جريمة مروعة بحق عائلة فلسطينية مدنية، لتُمحى أسرة كاملة من الوجود، وتبقى طفلة واحدة شاهدة وناجية من تحت الركام. جودي حسام ناهض عزام، 9 سنوات، كانت في بيتها بحي تل الهوى – شارع الدحدوح، تعيش يوماً عادياً في ظل حرب غير عادية، حين استهدفت طائرة إسرائيلية من طراز F16 عمارة عائلتها المكوّنة من أربعة طوابق وثماني شقق سكنية، بصاروخ مباشر وحارق، لتسوى العمارة بالأرض، ويسقط جميع من فيها شهداء، باستثناء جودي.

لقد فقدت جودي والدها، حسام ناهض حسن عزام، 43 عاماً، ووالدتها ديانا ناصر حسن عزام، 35 عامًا، وشقيقها عبد الرحمن حسام عزام، 13 عامًا ونصف، وشقيقتها لانا حسام عزام، 16 عامًا، فأصبحت الطفلة جودي الناجية الوحيدة من هذه المجزرة، وحُولت حياتها إلى جرح مفتوح مليء بالحزن والفقد.

كانت جودي، قبل هذا العدوان الدموي، طفلة ذكية ومتفوقة دراسيًا، معروفة بين أفراد العائلة بخفة روحها وشخصيتها، ولقبها والدها بـ “فراشة العائلة”. لكنها فقدت هذه الطفولة فجأة، حيث أصبحت بين ليلة وضحاها جسداً هشاً على سرير المستشفى تلفظ أنفاسها على أجهزة التنفس وتكافح للبقاء.

تم إسعاف جودي مباشرةً بعد القصف إلى مستشفى القدس ثم إلى مستشفى الشفاء، وهي في حالة موت سريري تقريبًا. إصاباتها شملت كسورًا في الجمجمة والأنف، وتشوهات في الوجه، وشظايا في الطحال والعين اليمنى يهدد فقدان البصر، وحروق في الظهر وكسور متعددة في أنحاء جسدها.

أُدخلت العناية المركزة ووصلت بأجهزة التنفس الصناعي، مراقبة القلب، وجهاز سحب افرازات المعدة، وكانت حالتها غير مستقرة. لاحقاً خضعت لعملية جراحية استؤصل فيها الطحال وزُرع بلاتين في ساقها اليمنى، بإشراف فريق من جراحي الأعصاب والعظام.

في اليوم التالي، بدأت جودي تستعيد وعيها تدريجياً، وتمكنت من فتح عينها اليمنى رغم النزيف والتورم. بدأ الأطباء باختبار ذاكرتها ومدى إدراكها للواقع، وحين سألت عن أسرتها، قيل لها الحقيقة. همست بصوت طفولي حزين: راحوا في الجنة… ليش ما أخذوني معهم؟” ومنذ تلك اللحظة، دخلت في صدمة صامتة، لا تبكي ولا تتكلم إلا نادرًا، وكأن الحزن أكبر من قدرتها على احتماله. من ثم بدأت تدرك ما حدث وتستعيد وعيها وطلبت ملابس أمها لتشمّ رائحتها وهمست: “بدي ماما… بدي بابا بدي عبود… بدي لانا.”

بتاريخ 2/8/2025 وبعد 18 يومًا من العلاج المكثف، خرجت جودي إلى منزلنا في حي النصر دون ان يخرج الألم من جسدها او من قلبها. هناك، بدأت تظهر ردود فعلها على فقدان أسرتها لأول مرة، فبكت بحرقة على والدتها وأشقائها. وكأن ألم الجسد الذي قيدها سابقًا منعها من التعبير عن حزنها.

لكن معاناتها لم تنتهِ الى هذا الحد فالعين المصابة ما زالت تنزف بنسبة تقارب 80%، وقد أبلغنا طبيب العيون أحمد الحليمي أن قرار التدخل الجراحي أو زراعة عدسة أو شبكية يتوقف على انخفاض نسبة النزيف إلى 15%، ما يستدعي تحويلاً عاجلاً للعلاج خارج قطاع غزة.

اليوم، جودي على كرسي متحرك، بقسطرة طبية، تتناول المسكنات باستمرار، ونفسها الصغيرة مثقلة بصدمة الفقد والنجاة. أحيانًا تأكل بشراهة كرد فعل عصبي، وأحيانًا ترفض الطعام كليًا. وفي الليل، تبكي أو تصرخ، أو تصمت طويلًا وكأنها تبحث في وجوهنا عن ملامح أسرتها.

رفضنا حتى اللحظة السماح لها برؤية وجهها المشوه أمام المرآة خوفًا من انهيارها، لكنها تطلب ذلك يوميًا وقالت لي “بدي أصور حالي بالجوال عشان لما أطيب أشوف كيف كنت.”

جودي متعلقة بي عاطفيًا بشكل كبير، وأنا قريبة جدًا منها. أنا من أتولى رعايتها اليومية، بما في ذلك تقديم الطعام، تغيير الضمادات على جروحها، وإعطاء العلاجات اللازمة. نحن نشكل معًا شبكة دعم عائلية قوية، وأحاول، الحفاظ على استقرارها وتأمين رعايتها الصحية والنفسية، رغم عصبيتها أحيانًا بسبب الصدمة التي تعرضت لها.

هذه المسؤولية الكبرى التي أتحملها أنا وأمي “جدتها” ليست سهلة، خصوصًا مع حالة جودي الصحية الحرجة واحتياجها المستمر للعلاج والرعاية، والتنقل بها بين الأطباء والمستشفيات في ظل ظروف معيشية صعبة وقصف ونزوح متكرر. ورغم كل ذلك، نسعى لتوفير الحنان والأمان الذي تحتاجه لمواجهة هذه المحنة، وسط الحزن والألم الذي يحيط بنا جميعًا.

ما مرت به جودي ليس مجرد إصابة، بل جريمة، ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق عائلة مدنية آمنة، وطفلة بريئة ذنبها الوحيد انها وُلدت فلسطينية.

جودي، فراشة العائلة، لم تكن مجرد ضحية، بل ناجية صنعت من بقايا الامل حياة، تقاوم لتخبر العالم: أنا هنا.. ما زلت أحلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *