أغسطس 24, 2025
بلال زنون .. طفل تحاصره حساسية القمح والحصار الإسرائيلي
مشاركة
بلال زنون .. طفل تحاصره حساسية القمح والحصار الإسرائيلي

في خيمة نزوح مؤقتة بجوار المنتزه الإقليمي في مواصي خان يونس، يرقد الطفل بلال زنون، ابن الثانية عشرة، جسده الهزيل يفضح حجم المعاناة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي، ووجهه الشاحب يختزل قصة طويلة من الألم والانتظار.

بلال ليس مريضًا بمرض نادر يصعب علاجه، بل هو طفل مصاب بمرض “حساسية القمح” (السيلياك)، مرض معروف طبيًا ويتطلب فقط توفير غذاء خاص خالٍ من الغلوتين. لكن في غزة، حتى ما يبدو بسيطًا قد يتحوّل إلى معركة بقاء، بعد 22 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية وما تتخلله من نهج التجويع الذي يفرضه الاحتلال.

بصوت خافت ينبعث من جسد مرهق يقول بلال في إفادته لباحث المركز: “في وجع في إيديا ورجليا وراسي، وكمان إسهال على طول. بقدرش أجري وألعب زي الأولاد، حتى المشي بيتعبني، ودايمًا ممدد على الفرشة. نفسي آكل زي الناس خبز ومعكرونة وأندومي وحلويات وكل الحاجات التانية.”

الأعراض وصدفة الاكتشاف

في شهر ديسمبر 2024، بدأت أعراض المرض تظهر على بلال: انتفاخات في البطن والقدمين، صداع دائم، تساقط للشعر، وإسهال متكرر.

تنقّل والده، محمود زنون (36 عاما)، الذي فقد عمله ومنزله في رفح بسبب الحرب، بين مستشفيات خان يونس ورفح بحثًا عن إجابة، لكنه كان يصطدم بعجز النظام الصحي المنهك والمجرد من أدوات التشخيص الأساسية.

“وصلنا مستشفى الصليب الأحمر… ثم مستشفى ناصر… تحاليل لا تنتهي دون تشخيص. حتى تحليل حساسية القمح لم يكن متاحًا، اضطررت لإجرائه في مختبر خاص بتكلفة لم أكن أملكها،” يقول الأب محمود، الذي فقد عمله في بيع الأحذية منذ نزوحه من حي البرازيل جنوب رفح، إثر اجتياحها من قوات الاحتلال في مايو 2024.

الصدفة وحدها لعبت دور الطبيب. خلال زيارة لمستشفى ناصر في يناير 2025، أخبره أحد أقاربه بأن الأعراض التي يعاني منها بلال تشبه ما مرت به ابنته المصابة بالمرض نفسه. بناءً على ذلك، أعيدت الفحوصات بشكل متخصص، وأجريت لبلال عملية منظار لأخذ عينة من المعدة، وأكدت النتيجة النهائية إصابته بمرض حساسية القمح.

“بدأنا نمنع عنه القمح والدقيق والخبز وكل ما يحتوي على غلوتين. ركّزنا على اللحوم، الدواجن، الفواكه والخضار. وتحسّن بشكل ملحوظ خلال أول شهر،” يقول الوالد لباحث المركز.

الحصار يعمق المعاناة

لكن التحسن لم يدم. ففي مارس 2025، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المعابر وبدأت تشديد حصارها، ومنعت دخول المواد الغذائية الأساسية، خاصة تلك التي يحتاجها مرضى مثل الطفل بلال. فاختفت اللحوم والفواكه والخضار من الأسواق أو ارتفع سعر ما توفر من خضار بشكل جنوني. ومع توقف دخل الأسرة، لم يعد بإمكانهم توفير الغذاء الضروري لبلال.

وفي ظروف يعاني فيها كل سكان قطاع غزة من مستويات معينة من الجوع، كانت معاناة بلال أكثر. عاد المرض بكل أعراضه: تساقط الشعر، انتفاخات البطن، هزال في الجسم، وتعب دائم. فقد بلال 9 كيلوغرامات من وزنه. أصبح يزن 25 كيلو فقط. لا يستطيع اللعب، ولا حتى المشي لمسافة قصيرة دون ألم.

معادلات صعبة

وسط معادلات صعبة بين المتاح والممكن والآثار المترتبة، يعيش الأب مأساة يومية لتوفير ما يقيت ابنه المريض، قائلا: “مسموح أكل الرز لابني بلال ولكن كثرته تسبب له الإمساك، ويمكن أن يأكل العدس ولكن كثرته تسبب له الإسهال. حصلت على عدة كيلو غرامات دقيق الذرة خلال الفترة السابقة ولكنه يحتاج إلى خميرة خاصة وهي غير متوفرة، وعند عجنه لا يتم خبزه بشكل جيد وبنشف؛ بسبب كل ذلك عاد ابني للمعاناة من مرض حساسية القمح. بشكل عام نشعر وكأن نموه توقف.”

“نحن لا نطلب معجزة، فقط نريد الغذاء المناسب لابني، والحق في علاج بسيط متاح في أي دولة في العالم. هل يحتاج الأمر إلى كل هذا العذاب؟” يسأل الأب محمود.

قصة بلال ليست استثناء، بل شاهد حي لانعكاسات الحصار وسياسات التجويع على الحق في الصحة والغذاء والكرامة. فبينما تتكدس المساعدات على المعابر، يُترك الأطفال مثل بلال يموتون ببطء، ضحايا لنهج إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل على مسمع العالم الذي يمارس التواطؤ بصمته أو عجزه أو مواقفه الخجولة.

بلال وأمثاله الآلاف من أطفال غزة، لا يحتاجون إلى كلمات تعاطف، بل إلى تدخل عاجل يضمن لهم الحد الأدنى من الغذاء الآمن، وإلى نظام إنساني يحمي طفولتهم من هذه الاستباحة المتعمدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *