يحيي العالم في الثالث من مايو من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وفق إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، تأكيداً على حق الصحفيين في نقل الحقيقة دون ملاحقة، ووجوب توفير الحماية لهم من قبل المجتمع الدولي. يأتي هذا العام على الصحفيين في الأرض الفلسطينية المحتلة في ظل ظروف هي الأسوأ في تاريخ هذه المهنة السامية في العصر الحديث، يدفعون لقاءها أرواحهم وأرواح عائلاتهم ثمناً لعملهم الإعلامي في نقل الحقيقة حول جريمة الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، بالصوت والصورة.
وخلال عامٍ كاملٍ (من 3 مايو 2024 حتى 3 مايو 2025) واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الاستهداف المنهجي والمتكرر للصحفيين/ات الفلسطينيين في قطاع غزة، كجزء من جريمة الإبادة الجماعية، وقتلت (74) صحفياً/صحفية إضافيين، بعضهم استهدف بشكل مباشر ومتعمد، سواء كان في الميدان في مهمة عمل رسمية يرتدي الزي الرسمي للصحافة، أو في منازلهم حيث جرى قتلهم هم وعائلاتهم لكونهم صحفيين؛ وآخرون قتلوا خلال جراء القصف العشوائي لأهداف مدنية على امتداد القطاع، بما فيها منشآت ومؤسسات، ومنازل، وطرقات، وأسواق. وفي المجمل قتل منذ السابع من أكتوبر 2023، (212) صحفياً، وأصيب (190) آخرين.
لقد حولت دولة الاحتلال على مدى أكثر من عام ونصف الصحفيين ومؤسساتهم إلى أهداف عسكرية هاجمتها بلا هوادة، حيث دمرت جميع المؤسسات والمقرات الإعلامية في القطاع، ولاحقت الصحفيين المحليين بالقتل المباشر داخل الميدان وفي المنازل، بعد منع الصحفيين الدوليين من دخول غزة، بهدف طمس الحقائق وعدم نقل ما يجري من جرائم حرب في قطاع غزة للعالم، وتزييف الحقائق ونقل الصورة التي تريد تصديرها هي للعالم. وتشير جميع المعطيات والأرقام أن تلك الاستهدافات لم تكن عرضية فرضتها وقائع الحرب في غزة، بل كانت نمطاً منهجياً متكرراً استهدف بشكل أساسي استئصال الصحفيين وتغييبهم عن المشهد نهائياً، حيث سُجلت معدلات قتل غير مسبوقة عالمياً، اشارت إليها مؤسسات أممية وصحافية دولية في تقاريرها.
وتعرض الصحفيون خلال هذه الحرب الشرسة إلى أشكال التنكيل كافة بهم وبعائلاتهم، حيث تعرضوا للتشريد وهدمت منازلهم، والتحريض والتهديد المباشر بالقتل، فضلاً عن تعرض عدد منهم للاعتقال وإخضاعهم للتعذيب. وأسوة بباقي المدنيين نزح غالبية الصحفيين من منازلهم، واضطروا للعمل في ظروف قاهرة، لنقل رسالتهم الإنسانية للعالم عن معاناة شعبهم..
في إفادته لطاقم المركز، يقول الصحفي إبراهيم قنن، مراسل قناة الغد الفضائية:
“نحن أجساد بلا أرواح، أتعبتنا الحرب، نواجه الموت والتعب، ونبذل قدرا كبير من الجهد لإيصال معاناة شعبنا، في ظل انقطاع الكهرباء والاتصالات والإنترنت، والمشاكل اليومية التي نواجهها نحن وعائلاتنا، والنزوح المتكرر. أصعب شيء، أن تكون عائلاتنا نازحة في خيام تتعرض للقصف، ونحن في أماكن التغطية، ونخاف أن تتعرض أسرنا للقصف، الاحتلال لا يفرق بين خيمة وخيمة.”
وتحدث الصحفي عبد الله العطار، لطاقم المركز عن معاناته:
“نزحت أكثر من مرة، من رفح إلى خان يونس إلى دير البلح، واستقريت فترة تسعة شهور في دير البلح، حيث تواجدت في خيمة الصحفيين في مستشفى شهداء الأقصى، تعرضنا خلالها للقصف عدة مرات، أصيب خلالها صحفيون، ونجونا منها بأعجوبة. أصيب في إحدى الهجمات الصحفي على العطار بجانبي، وبعدها عدت الى مستشفى ناصر الطبي في خانيونس حيث أقمت في نفس الخيمة السابقة التي كنت بها ومستشفى ناصر يحتوي على 50 خيمة تقريبا تشمل كل صحفيي قطاع غزة.”
ورغم الحماية القانونية التي يوفرها القانون الدولي للصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة، ويعتبرهم أشخاصا مدنيين، إلا أن قوات الاحتلال خلقت ذرائع واهية لتبرير قتلهم واستهدافهم. فقد شنت تلك القوات حملة تحريضية واسعة النطاق ضد كثير من الصحفيين ونشرت أسماء بعضهم وألصقت بهم تهم الانتماء إلى فصائل المقاومة ومشاركتهم في أعمال عسكرية، تمهيداً لاستهدافهم.
وبالموازاة مع ذلك، تشن قوات الاحتلال حملة لشرسة على الصحفيين والمؤسسات الصحفية في الضفة الغربية، يتعرضون خلالها لكافة أشكال الملاحقة والاعتداء، بما في ذلك، إغلاق مؤسسات صحفية؛ إطلاق النار على الصحفيين؛ التعرض للاعتقال والمحاكمة على خلفية العمل الصحفي؛ الضرب والاعتداء والمنع من التغطية؛ وفرض قيود على حركتهم ومنعهم من التغطية الإعلامية داخل مدينة القدس المحتلة.
وفي ضوء ذلك: