المرجع: 123/2021
التاريخ: 30 سبتمبر 2021
التوقيت: 11:10 بتوقيت جرينتش
يصادف هذا الشهر الذكرى العشرين للمؤتمر الدولي الأول ضد العنصرية الذي نظمته الأمم المتحدة في ديربان بجنوب أفريقيا خلال الفترة بين 31 أغسطس 8 سبتمبر 2001، مستلهماً نضال شعب جنوب أفريقيا البطولي ضد نظام التمييز العنصري، وبدور المجتمع الدولي، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، في النضال ضد العنصرية والتمييز العنصري. وإحياءً لهذه الذكرى، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً رفيعاً الأسبوع الماضي (22 سبتمبر 2021) على مستوى الرؤساء والحكومات، جدد فيها زعماء العالم التزامهم بتسريع الكفاح ضد العنصرية في بلدانهم وبتنفيذ اعلان وبرنامج عمل مؤتمر ديربان.
وقد شكل المؤتمر منعطفاً هاماً لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني في النضال ضد العنصرية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، حيث كرست دولة إسرائيل نمطاً فريداً من التمييز العنصري في كافة الأراضي التي تخضع لسيطرتها، سواء في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 أو في حدود دولة إسرائيل التي قامت على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948. ولم يكن مفاجئاً أن ينسحب وفدا إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من المؤتمر، رغم أن الأخيرة نجحت في الضغط على المجتمع الدولي ومنعت طرح هذا الأمر على اجندة المؤتمر.
وشارك المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق واتجاه-اتحاد الجمعيات العربية في إسرائيل وغيرهم من المنظمات الفلسطينية بفعالية في هذا المؤتمر والفعاليات الدولية الموازية التي نظمت للتأثير في مخرجاته. وبالتوازي مع المؤتمر الأممي الرسمي، عقدت منظمات المجتمع المدني، من مختلف أنحاء العالم، بما فيها المنظمات الفلسطينية والعربية منتدى المنظمات غير الحكومية في ديربان، خلال الفترة 28 أغسطس و1 سبتمبر، بمشاركة أكثر من ستة آلاف ناشط.
وبعد أربعة أيام من المداولات، خرج المؤتمر بوثيقة شاملة تعبر عن موقف المجتمع المدني وتنوع تشكيلاته وتشكل مرتكزاً أساسياً ومرجعاً يرسم ملامح النضال ضد العنصرية على مستوى العالم – إعلان ديربان. وبأغلبية أكثر من 1300 منظمة غير حكومية، مقابل معارضة 17 منظمة فقط، أدان الإعلان إسرائيل وما تكرسه من نظام تمييز عنصري ضد الشعب الفلسطيني، رابطاً ذلك مع نظام التمييز العنصري البائد في جنوب أفريقيا ومظاهر العنصرية في كافة أنحاء العالم، ولم تفلح الضغوط التي مارستها منظمات موالية لإسرائيل بربط مناهضة الصهيونية بمعاداة السامية. وكان الإعلان ثمرة جهود جبارة قامت بها منظمات المجتمع المدني من كافة أرجاء العالم، والتنسيق المتبادل فيما بينها، شمل زيارة لوفد رفيع من منظمات المجتمع المدني في جنوب أفريقيا للأرض الفلسطينية المحتلة، لرؤية الواقع على حقيقته. كما التقى الزعيم الأسطوري نيلسون مانديلا وفداً من المنظمات الفلسطينية والتضامنية وأبدى دعمه الكامل لها. وفي البند 20، أكد الإعلان على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، وعلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194. وأقر الإعلان في البند 98 أن الشعب الفلسطيني يخضع لنظام احتلال عسكري استعماري وعنصري ينتهك حقه الأساسي في تقرير المصير، بما في ذلك من خلال إقامة المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، وغير ذلك من الأساليب العنصرية المرتبطة بنظام الأبارتيد الإسرائيلي وغيره من الجرائم العنصرية ضد الإنسانية، وأن للشعب الفلسطيني الحق في مقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل التي كفلها القانون الدولي حتى ينال حقوقه الأساسية في تقرير المصير وإنهاء نظام التمييز العنصري الإسرائيلي الفريد. وأقر البند 99 من الإعلان أن هذا النظام العنصري هو السبب الجذري لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، بما فيها الانتهاكات الجسيمة لمواثيق جنيف عام 1949 وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. واعترف الإعلان أن أحد جوانب هذا النظام العنصري الفريد يتجلى في استمرار رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المكفول بالقانون الدولي إلى ديارهم.
وفي هذه الذكرى، عقب راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي شارك في ديربان، قائلاً:
“عكس هذا المؤتمر لمنظمات المجتمع المدني تضامناً ودعماً أممياً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتأكيداً على ارتباطها الوثيق بقضايا الشعوب المضطهدة التي تتوق للعدالة والمساواة، من فيهم الأفارقة الذين تعرضوا للعبودية في أمريكا وأوروبا ومطالبهم العادلة بالتعويض والاعتذار، والتمييز ضد الداليت المنبوذين في الهند، وقضية التبت وحقهم في تقرير المصير، وقضايا السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية، وقضايا المرأة، وقضايا الغجر في أوروبا الشرقية. ولو الدعم والتنسيق المتبادل والعلاقة العميقة والاستراتيجية مع ممثلي هذه الشعوب، ولولا دعمنا للمضطهدين في العالم على قاعدة “يا مضطهدي العالم اتحدوا”، لما وجد هذا الدعم لقضيتنا. وهم من تبنوا قضيتنا، بالإضافة لمنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية والعربية والدولية. وحدة المنظمات الفلسطينية في الداخل والخارج، والدعم السياسي والمعنوي من القيادة السياسية، وتحديداً الرؤساء عرفات ومانديلا وكاسترو، كل ذلك كان أساسياً في إنجاح ديربان. واستذكر ما قاله شمعون بيرس عن اعلان دربان بانه أخطر وثيقة صدرت ضد اسرائيل منذ استقلالها. ولا زالت بعض منظمات المجتمع المدني تدفع ثمن هذه المواقف حتى الان.”
في الذكرى العشرين لمؤتمر ديربان، صدر تقريران عن منظمتين بارزتين لحقوق الإنسان، يدينان بشكل صريح وواضح نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، بمضامين ما طرحته المنظمات الفلسطينية في ديربان وقبله: الأول، صدر في يناير 2021 عن منظمة بتسيلم – المركز الإسرائيلي لمعلومات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وهي أهم منظمة حقوق إنسان في إسرائيل، بعنوان “نظام تفوق يهودي من النهر إلى البحر: إنه أبارتيد؛ والثاني،.صدر في أبريل 2021 عن منظمة هيومان رايتس ووتش الدولية المرموقة بعنوان “تجاوزا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد. ويظهر التقريران على نحو مفصل كيف تكرس إسرائيل نظام تمييز عنصري ضد الشعب الفلسطيني، سواء في منظومات القوانين أو الممارسات والسياسات.
بعد عشرين عاماً على ديربان، تمكنت إسرائيل من تكريس هذا الطراز الفريد من النظام العنصري والممارسات العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، على نحو غير مسبوق، وهو الإطار الذي تقترف بواسطته ومن خلاله جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم اضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك جرائم الاستيطان ونهب الموارد والاستيلاء على الأراضي، وجرائم التطهير العرقي في القدس والمناطق المصنفة (C) في بقية أنحاء الضفة الغربية، وجرائم الحصار والعقاب الجماعي على قطاع غزة، وجرائم التعذيب وسوء المعاملة للمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وأربعة حروب شنتها على قطاع غزة حصدت أرواح آلاف المدنيين وخلفت آلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين، بفعل الاستهداف المباشر للمنشآت والمرافق المدنية، علاوة على جرائم قتل المدنيين المشاركين في احتجاجات سلمية على تلك الجرائم، ليس آخرها قتل مئات المدنيين في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة. وتستمر إسرائيل في التنكر للحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما فيها الحق في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
ولم تكن إسرائيل لتستمر في انتهاكاتها المنظمة للقانون الدولي إلا بدعم كامل من الإدارات الأميركية المتعاقبة، مقروناً بصمت وعجز وغياب إرادة دولية لاتخاذ مواقف وإجراءات جادة في مواجهة الحدي الإسرائيلي السافر للمجتمع الدولي والإرادة الدولية. لقد انهار نظام التمييز العنصري البائد في جنوب أفريقيا بفعل نضال شعبها الدؤوب، وبفعل تضمن عالمي ساهمت فيه الدول والحكومات والشعوب، بما فيها منظمات المجتمع المدني وحركات التضامن والمقاطعة.
إننا، وفي هذه المناسبة، بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة بناء البيت الفلسطيني وانهاء الشرذمة والانقسام ورسم ملامح برنامج نضالي مبني على الحقوق، على غرار ما قام به شعب جنوب أفريقيا، ويفضح نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، ويحشد التأييد والتضامن الدولي لقضية شعبنا العادلة.
لقد شهد هذا العام تطورات هامة ومركزية في مسار النضال من أجل العدالة والمساءلة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام العدالة الدولية. وبعد أن تكللت جهودنا بالنجاح بانضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية، والإعلان هذا العام عن فتح تحقيق جنائي في الوضع في فلسطين، ما تزال طريق العدالة شاقة وينبغي تكثيف الجهود، بالتعاون مع حلفائنا وشركائنا الدوليين من أجل الشروع في التحقيق على الفور ودون تأخير.
ويتوجب على المجتمع الدولي الذي انتصر لشعب جنوب أفريقيا ضد الأبارتيد، أن يخرج عن صمته وأن يفي بالتزاماته القانونية من خلال إجراءات فعالة في مواجهة الأبارتيد الإسرائيلي، ودعم التحقيقات التي بدأتها المحكمة الجنائية الدولية.