ديسمبر 7, 2024
وسط جحيم الإبادة: نعمة وجنينها في معركة من أجل البقاء
مشاركة
وسط جحيم الإبادة: نعمة وجنينها في معركة من أجل البقاء

نعمة علي محمد حرارة، 28عاماً، متزوج وأم لثلاثة أطفال، سكان حي الشيخ رضوان، غزة

تاريخ الإفادة: 14 نوفمبر 2024

أنا نعمة علي محمد حرارة، متزوجة من السيد أنس نمر محمد حرارة منذ عشر سنوات، ولدي ثلاثة أطفال: قاسم (9 سنوات)، تلين (8 سنوات)، ومحمد (4 شهور ونصف). في السابع من أكتوبر 2023، ومع بدء الحرب على قطاع غزة، كنت حاملًا في شهري الأول. منذ بداية الحرب، بدأ الاحتلال بقصف منطقة الشيخ رضوان باستخدام الأحزمة النارية، وألقى المناشير لإخلاء المنطقة والتوجه جنوبًا، لكننا بقينا في منزلنا ولم نغادر.

في نهاية نوفمبر، دخلت قوات الاحتلال منطقة الشيخ رضوان، وحاصرت الدبابات منزلنا، وكانت قواتهم تتمركز أسفله. كنا نعيش في خوف ورعب شديدين؛ المنازل من حولنا كانت تُقصف، والغبار والركام يملآن المكان. أطلقت الدبابات الرصاص على منزلنا، فكنا نلجأ إلى زاوية منه، أحتضن أطفالي، نخشى إصابتنا بالرصاص. لم نستطع إعداد الطعام لمدة ثلاثة أيام، وعشنا على الماء فقط. الحصار كان مرعبًا، ومع الخوف الشديد أصبنا جميعًا بالإسهال، والمياه العذبة نفدت بعد عشرين يومًا، فاضطررنا لشرب المياه المالحة. الطعام كان نادرًا جدًا، فكنا نتقاسمه بصعوبة، خشية نفاده.

استمر الحصار 52 يومًا، وكانت تلك أسوأ أيام حياتي. فقدت خلالها 22 كيلوغرامًا من وزني، إذ كان وزني قبل الحصار 66 كيلوغرامًا، وبعده أصبح 44 كيلوغرامًا. مع إعلان هدنة مؤقتة، تراجعت الدبابات إلى منطقة الكرامة، وتمكنا من الخروج من المنزل. خلال خروجنا، أطلق الاحتلال النار علينا. كنت أجري مع زوجي وأطفالي وسط حالة من الرعب، رأينا خلالها جثث الشهداء في الشوارع، مشهد لن أنساه أبدًا.

نزحنا إلى منطقة الصبرة ولجأنا إلى بيت أخت زوجي. في ذلك الوقت، لم يكن الطحين متوفرًا، واضطررنا إلى تناول الشعير، الذي لم أكن أتحمله؛ إذ كنت أشعر بإعياء شديد ويزرقّ لوني وأتقيأ كلما حاولت تناوله. لم يكن لدينا أي طعام آخر، فكانت غزة تعيش حالة من المجاعة، وكان ما يتوفر من الطعام نادرًا للغاية.

لاحقًا، توجهت إلى مستشفى أصدقاء المريض للاطمئنان على صحتي وصحة طفلي. أُجريت لي الفحوصات اللازمة، وأبلغني الأطباء أنني أعاني من سوء تغذية حاد، وأحتاج إلى تناول الفيتامينات للمحافظة على صحة طفلي. لكن الأدوية كانت شحيحة للغاية وباهظة الثمن، ولم أتمكن من شرائها بسبب الظروف القاسية.

في أواخر فبراير 2024، قُصف الطابق الثاني من البناية التي كنا نسكن فيها. أصابتنا الجروح، وغمرنا الغبار والركام، فاضطررنا إلى الهرب والعودة على بيتنا المدمر جزئياً.

في مايو، تعرض المنزل المجاور لمنزلنا لقصف شديد، تسبب في انهيار أجزاء من منزلنا. أصبت بنزيف حاد، ولم أجد وسيلة نقل إلى المستشفى سوى عربة يجرها حمار. وصلت إلى مستشفى الصحابة، حيث قرر الأطباء إجراء عملية قيصرية لإنقاذ حياتي، لكنهم أكدوا أن جنيني لن ينجو. وقعت على ورقة بتحمل مسؤوليتي بسبب نقص الإمكانيات.

ولد طفلي بوزن 1.2 كيلوغرام، يعاني من التهابات شديدة بسبب سوء التغذية والولادة المبكرة. بقي في الحاضنة، لكن الإمكانيات كانت معدومة. الأكسجين كان يصل إليه بشكل متقطع، والالتهابات انتشرت في جسده. أصيبت يده اليسرى بقرحة تحولت إلى التهاب في العظم، مما أدى إلى كسر في يده وانفصال مفصل الكوع. أخبرنا الأطباء أنه يحتاج إلى ثلاث عمليات جراحية لتثبيت المفصل، لكن الحرب حالت دون ذلك.

خرج طفلي من الحاضنة في نهاية مايو، وهو بحاجة ماسة للعلاج. زوجي يعاني أيضًا من مرض بهجت، ويجد صعوبة في توفير الحليب لطفلنا بسبب ظروف الحرب والحصار الإسرائيلي الشديد الذي جعل وجود الحليب نادراً وإن توفر فهو غال الثمن.

قلبي يعتصر ألمًا كل يوم، وكل لحظة تمر وأنا أرى طفلي يعاني من الألم والجوع، وكلما تذكرت كيف فقدت جزءًا مني في كل قصف وهجوم، لا أستطيع إلا أن أتمنى لو كان بإمكاني أن أوقف كل هذه المعاناة وأمنح طفلي حياة خالية من المعاناة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *