نوفمبر 8, 2024
رباعية النزوح والاعتقال وتشتت العائلة والمرض تفاقم معاناتي
مشاركة
رباعية النزوح والاعتقال وتشتت العائلة والمرض تفاقم معاناتي

فاطمة حسين سلامة منصور،٣٦ عاما، متزوجة أم لثلاثة أبناء سكان شمال غزة، وحاليا نازحة في خانيونس

تاريخ الإفادة: 4/11/2024

أنا متزوجة من أكرم محمد ديب منصور، ٤٧عاما، ولدينا 3 أبناء هم: إيمان ٢٠عاما، وأحمد ١٩عاما، وتامر ١٣عاما، أسكن في شقة في عمارة تتكون من ٤ طوابق في جباليا البلد شارع القدس. وأنا مريضة سرطان في الفخذ اكتشف لدي في بداية شهر أغسطس 2023.

في حوالي الساعة ٦:٣٠ صباحا، في ٧/١٠/٢٠٢٣، كنت مستيقظة من النوم وبدأت بترتيب البيت وتجهيزه، لأنه كان من المقرر لي السفر خلال هذا الأسبوع إلى مستشفى المطلع في  القدس لإجراء أول جلسة إشعاع. قمت بإجراء عملية في تاريخ ٢٨/٨/٢٠٢٣، حيث تم إزالة كتلة الورم خلالها وكان يجب أن أكمل علاجي بالإشعاع، بعد ان اكتشف بداية شهر أغسطس 2023 أنني مصاب بالسرطان. لذلك بدأت بتجهيز أموري، ولكن تغير كل ما هو مخطط له مع بداية إطلاق الصواريخ لأنه حينها كانت بداية الإبادة لنا، حيث إن الأصوات التي كنا نسمعها والانفجارات والاستهدافات كانت مخيفة بشكل لا يمكن وصفه، لأننا كنا نسمع كل أنواع الاستهدافات من قصف مدفعي واستهدافات الطائرات الحربية، والقنابل الدخانية و قنابل الإنارة. وكانت الأحداث تزداد سوءاً لأن جيش الاحتلال كان يقوم بعمل أحزمة نارية بين الحين والآخر، وقام بتدمير العديد من المباني المجاورة لنا. بعد مرور شهر ونحن نتعرض لكل دقيقة للخطر، ذات يوم كان زوجي متجها لتوفير المياه لنا من أحد البيوت المجاورة لنا، وفي هذه الأثناء تم استهداف هذا البيت مما أدى لإصابة زوجي في رأسه حيث سقط عليه عامود باطون والكثير من الركام، وتم تغريزه العديد من الغرز في رأسه.

في حوالي الساعة ٩:٠٠ صباحاً، في تاريخ ٢٢/١٢/٢٠٢٣، كنا نجلس بالبيت وتفاجأنا بمحاصرة دبابات وجرافات جيش الاحتلال للمنطقة بشكل كامل، حيث قاموا بتجريف  الحائط في الطابق الأرضي وكنا حينها نجلس في الطابق الثاني. وبعد أن قاموا بالتجريف، داهموا بيتنا واعتقلوا زوجي وابني الكبير واثنين من إخوان زوجي، ثم استهدفوا بيت سلفي (هاشم منصور ) وراح ضحية هذا الاستهداف ٤ شهداء (نعمة منصور، وزوجها سعدي الجمل، تحفة منصور، هبة منصور)، وبعد ذلك قاموا بحرق بيت سلفي بالكامل. بعد تلك الأحداث، أمرنا جيش الاحتلال بمغادرة منزلنا والتوجه نحو مدرسة الرافي، واستقر الجيش في منزلنا. وعندما وصلنا المدرسة كانت ممتلئة بالكامل من النازحين، وبعد بحث طويل مكثنا في صف مع عائلة حيث بلغ عددنا ١٠٠ امرأة وطفل داخل هذا الصف. وفي اليوم التالي، تفاجأنا بمحاصرة قوات الاحتلال للمدرسة التي كنا فيها، وبدأت جرافات جيش الاحتلال بتجريف سور المدرسة والمباني المتواجدة في مقدمة المدرسة، بعد ذلك اعتقلوا جميع الشباب المتواجدين داخل المدرسة.  في حوالي الساعة ٤:٠٠ عصرا، أمرنا جيش الاحتلال بمغادرة المدرسة على الفور، والتوجه نحو المدارس المتواجدة في آخر شارع غزة القديم. خرجنا تحت القصف الشديد وإطلاق الرصاص من كل اتجاه، هذا إضافة إلى أنه كان لنا ٣ أيام لم نأكل أو نشرب أي شيء بسبب عدم توفر ما نقوت به أنفسنا، والخوف الشديد الذي سيطر علينا بسبب أفعال جيش الاحتلال، حيث إنهم كانوا يطلقون الرصاص علينا بشكل مباشر، فكنا نركض بسرعة هربا من الموت، حتى وصلنا مدرسة دار الأرقم أنا وبنتي وابني الصغير. وبسبب الجوع الشديد الذي سيطر علينا، عندما وصلت وجدت شخصاً يحمل ليموناً، فطلبت منه واحدة قمت بفتحها وأخذت أعصر ما فيها في فم أبنائي. وبعدها بحثت عن الماء، وأيضا أخذنا زجاجة ماء وأخذ كل منا رشفة تبل عروقه. وبعد ليلة واحدة وبسبب عدم وجود مكان نمكث فيه داخل المدرسة، قررنا الذهاب لإحدى الجامعات المتواجدة في مدينة غزة. خرجنا مشيا على الأقدام لمدة ساعتين، وجدنا باصا قام بإيصالنا للجامعة الإسلامية، ولكن عندما دخلنا الجامعة لم نعرف إلي أين نتجه، فنحن خرجنا بدون رجل يحمينا وبدون ملابس تقينا برد الشتاء، بدون مال يساعدنا أن نكمل. وفي هذا الوقت كانت الاتصالات بصعوبة بسبب الخلل الذي حدث في شبكات الهواتف المحمولة بسبب العدوان علي قطاع غزة.  وبعد محاولات عديدة وبحث شديد، حاولت التواصل مع أخي حتى اتجه للمكان الذي يتواجد فيه، حتي لا نبقى لوحدنا. واتجهت حينها لسلطة النقد حيث يتواجد أهلي، ومكثنا هناك ٣ أسابيع، وكانت عبارة عن ٣ أسابيع معاناة، بسبب عدم توفر المياه الحلوة والمالحة، وعدم توفر الطعام.  كنا نعاني من مجاعة في ذلك الوقت، بسبب عدم توفر الدقيق، عدم توفر الخضروات، كنا نعتمد بشكل كبير على الرز و العدس، وكنا نأكل وجبة واحدة في اليوم فقط. وبعد هذه المدة عدنا مرة أخرى لبيتي ولكن حينها لم أجد بيت ولا سيارة ولا أي معالم لمنطقتنا، حيث قام جيش الاحتلال بمسح المنطقة بالكامل. لذلك لم يكن لدينا حل سوى التوجه لبيت أهلي المتواجد شرق مدينة جباليا، على الرغم أن المنطقة حدودية و الاستهدافات لا تتوقف فيها، حيث كنا ننام ونستيقظ على اصوات القصف المدفعي. هذا إضافة إلى المجاعة التي كنا نعيش فيها، فلم يكن لدينا أي نوع طعام أو دقيق، كنا نعتمد في طعامنا على حشائش الأرض من خبيزة وحمصيص، وكان إفطار شهر رمضان لمدة ٣٠ يوما عبارة عن خبيزة. أما بالنسبة للخبز فلم يكن يتواجد الدقيق، لذلك كنا نعتمد على قمح العصافير والشعير وطحين الذرة، كنا نقوم بطحنهم و صنع الخبز، ولكل شخص قطعة خبز واحدة فقط طوال اليوم، لأننا كنا نتناول وجبة واحدة فقط باليوم. وبعد مجاعة دامت أكثر من ٦ شهور، بدأ دخول بعض شاحنات الأغذية لمنطقة شمال قطاع غزة، ولكن كانت بأسعار فوق الخيال، وكنا حينها لا يتواجد لدينا أي مصدر دخل، لذلك لم نستطع الحصول علي أي نوع من الأغذية. أيضا غاز الطهي كان غير متوفر حيث كنا نقوم بطهي الطعام علي الحطب، وبعد فترة زمنية حتى الحطب لم نستطع إيجاده، لذلك أصبحنا نستخدم البلاستيك والأحذية البالية والملابس البالية، حتى نشعل النيران لنجهز الطعام.

وفي شهر ٤ وبعد انتهاء شهر رمضان، قام جيش الاحتلال بإلقاء منشورات بضرورة إخلاء المنطقة، وحينها اتجهنا لمنطقة غرب مدينة غزة في شارع النفق في بيت أحد أصدقائنا.  وهناك أيضا كنا نعاني من شح المياه بسبب عدم توفرها فكنا نقوم بنقلها من أماكن بعيدة بواسطة الجرادل. وبعد ما يقارب ٣ أسابيع عدنا مرة أخرى لبيت أهلي في منطقة شرق جباليا، وبعد شهر أمرونا بالإخلاء مرة أخرى، وعدنا مرة أخرى لشارع النفق، كنا نتنقل بين شرق جباليا وشارع النفق، مع كل أمر إخلاء. وفي تاريخ ٥/١٠/٢٠٢٤، بدأ جيش الاحتلال عملية عسكرية كبيرة في جباليا بدون سابق إنذار بدأت استهدافات الجو والمدفعية وطائرات الكواد كابتر تضرب من كل اتجاه. وفي حوالي الساعة ١٠:٠٠ مساء ازداد الوضع سوءاً ودبابات جيش الاحتلال بدأت بالاقتراب من بيت أهلي، لذلك خرجنا مسرعين تحت القصف، واتجهنا مرة أخرى لشارع النفق، حيث كنا نتواجد ٦٠ شخصا في غرفة واحدة.

وفي تاريخ ٢٩/١٠/٢٠٢٤، تم قبول تحويلة العلاج بالخارج التي كنت قد قمت بتقديمها من شهر ٣، لذلك توجهت أنا وابني الصغير (تامر)، لمستشفى الشفاء الطبي، لأن جيش الاحتلال رفض أن تكون ابنتي مرافقة معي، لذلك اضطررت لتركها مع أهلي في شمال قطاع غزة، وأنا سوف اتجه للعلاج خارج البلاد. وزوجي وابني الكبير تم الإفراج عنهم ولكن في جنوب قطاع غزة حيث يمكثون في مخيم النصيرات، وبهذا يصبح كل منا في مكان. وفي حوالي الساعة ٩:٠٠ صباحاً، خرجنا من مستشفى الشفاء الطبي بواسطة إسعافات واتجهنا للجنوب. وعندما وصلنا ميناء مدينة غزة قام جيش الاحتلال بإيقافنا لمدة ساعتين، وفي حوالي الساعة ١١:٠٠ صباحا سمحوا لنا بإكمال الطريق حتى وصلنا لحاجز نيتساريم وحينها أمروا جميع المرافقين بالنزول من الإسعاف ليتم تفتيشهم والمرضى يبقوا في مكانهم داخل الإسعاف، حيث أنزلوا ابني رغم صغر سنه و قاموا بإيقافهم في طابور ليتم إدخالهم لغرفة الفحص واحداً تلو الآخر حيث صوروهم وبعد ذلك إخراجهم. بعد ذلك كانت طائرات الكواد كابتر تقف عند باب الإسعاف تقوم بتصويرنا، وبعد ذلك تتجه لإسعاف آخر. وفي حوالي الساعة ٢:٣٠ ظهرا، سمح لنا الجيش بإكمال طريقنا حيث وصلنا في حوالي الساعة ٤:٣٠ عصرا إلى مستشفى ناصر الطبي، حيث تم إقامة مستشفى ميداني تابع لمنظمة الصحة العالمية داخل اسوار مستشفى ناصر الطبي. وفور وصولي لمدينة خانيونس جاء زوجي على الفور للمستشفى الميداني حتى يطمئن علي أنا وابني، حيث إننا لم نر بعضنا منذ أكثر من ١١ شهرا، حيث أنه في هذه اللحظات لم يعرف ابنه، كيف كبر بهذا القدر في هذه المدة، وبعدها عاد مرة أخرى للمكان الذي ينزح فيه، لأنه يمنع تواجد النازحين داخل أسوار المستشفى. ومنذ ذلك الوقت وأنا أمكث في المستشفى الميداني، واليوم تم إخبارنا أنه سوف يتم نقلنا غدا الثلاثاء لمستشفى الأوروبي حيث من المقرر أن يتم سفرنا لاحقا لدولة الإمارات عبر معبر كرم أبو سالم حتى أتلقى العلاج اللازم قبل أن يتفشى المرض بشكل أكبر في جسمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *