المرجع: 52/2022
التاريخ: 3 مايو 2022
التوقيت: 10:00 بتوقيت جرينتش
يحتفل العالم اليوم الثلاثاء، الموافق 3 مايو، باليوم العالمي لحرية الصحافة، في الوقت الذي يستمر تراجع الحريات في فلسطين وخاصة حريتي التعبير والعمل الصحفي. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وإذ يحتقل كعادته بهذه المناسبة في موعدها من كل عام باستعراض عمله الدؤوب في رصد وتوثيق انتهاكات حرية الصحافة والدفاع عنها، فإنه يعيد التأكيد على أن حرية التعبير ومنها حرية الصحافة هي حجر الأساس في منظومتي الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن تصور تمتع أي شعب بأي من حقوقه في غياب حقه في الحصول على المعلومات والتعبير عن آرائه بلا قيود مجحفة.
“في اليوم العالمي لحرية الصحافة نعيد التأكيد على أن جرائم الاحتلال بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية يجب ألا تمر دون محاسبة، وسياسته الممنهجة في إخراس الصحافة أضافت إلى سجله المزيد من الجرائم التي سيحاسب عليها طال الزمان أم قصر.. والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تعلم أنه لا مساومة على حرية التعبير وحرية الصحافة، وأن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية عن جدارة” (تعليق راجي الصوراني/ المحامي مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة)
انقضى الربع الأول من العام 2022، وما يزال الاحتلال الإسرائيلي، وبلا رادع، يمتهن سياسة إخراس الصحافة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عقود، سعياً منه للاستفراد بالضحية وتغييب الحقيقة. ومن جهة أخرى، أوجد أرث الانقسام الفلسطيني على مدى 15 عاماً، بيئة مقيدة لحرية التعبير والعمل الصحفي، وصلت إلى مرحلة السعي نحو مأسسة حالة من الالتزام الذاتي لدى الصحفيين وأصحاب الرأي بتجنب كل اشكال التعبير التي تثير حفيظة السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ألزم القانون الدولي الإنساني سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعدم استهداف الصحفيين وأكد على تمتعهم بالحماية الكاملة كمدنيين. كما أصدر مجلس الأمن عدة قرارات أكد فيها على ضرورة حماية الصحفيين خلال العمليات الحربية وعدم استهدافهم وضمان عدم افلات مرتكبي الجرائم ضدهم من العقاب، كان آخرها قرار رقم 2222 لسنة 2015. وبالرغم من ذلك يمارس الاحتلال سياسة ممنهجة في استهداف الصحافة والمؤسسات الصحفية، تصل إلى مرحلة التصفية الجسدية للصحفيين، مروراً بتعمد اصابتهم بالرصاص الحي والمطاطي، والاعتداء عليهم بالضرب ومصادرة معداتهم وتهديدهم، وقصف مؤسساتهم وإغلاقها، ومنعهم من التنقل والسفر.
وقد رصد المركز خلال العام الأخير (150) اعتداءً على الصحفيين والطواقم الإعلامية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وشملت تلك الاعتداءات، جرائم إطلاق نار، أدت في إحداها إلى قتل صحفي، وإصابة (40) آخرين؛ اعتداءات جسدية، بما في ذلك الضرب والدفع، وبلغت (35) حالة؛ (28) حالة احتجاز واعتقال صحفيين؛ تدمير (23) مكتب صحفي جراء القصف؛ (20) حالة إبعاد ومنع من التغطية الصحفية؛ استمرار منع طباعة صحيفتين في الضفة؛ وحالة إغلاق مطبعة.
وعلى الجانب الآخر، يلقى على عاتق دولة فلسطين التزامات دولية ووطنية باحترام حريتي التعبير والصحافة. فقد أكدت المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت له فلسطين منذ العام 2014 على حرية الرأي والتعبير وحرية الوصول للمعلومات. ونصت المادة (19) من القانون الأساسي على حرية التعبير، وأكدت المادة (27) منه على حرية الصحافة وحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ومنع “إنذارها، أو وقفها، أو مصادرتها، أو إلغاؤها، أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي”.
وبالرغم من وجود التزام دولي ووطني على السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة باحترام وحماية وإعمال حرية الرأي والتعبير واحترام حرية الصحافة، إلا أن الواقع يؤكد استمرار سياسة ممنهجة في ملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي. وبعد 15 عاماً من الانتهاكات المستمرة، بات الالتزام الذاتي لديهم بعدم طرح ما يثير حفيظة السلطات جزءاً من الثقافة الشعبية. وقد استخدمت السلطات خلال ذلك وسائل مختلفة منها الاستدعاء المتكرر لصحفيين وأصحاب رأي واحتجازهم في ظروف مهينة على ذمة تحقيقات كيدية؛ الاعتداء بالضرب على الصحفيين خلال عملهم؛ تحريك دعاوى تعسفية ضد صحفيين وأصحاب رأي؛ وإغلاق مؤسسات صحفية وحجب مواقع الكترونية.
وقد كان مقتل الناشط نزار بنات، في يونيو 2021، على يد قوة أمنية في الضفة الغربية خلال اعتقاله على خلفية حرية تعبير بداية مرحلة فاصلة في ملف حرية التعبير في فلسطين، حيث شكلت سابقة خطيرة كان لها تأثير عميق في كي الوعي الشعبي، حيث رسمت الوجه الابشع في التعامل مع أصحاب الرأي، وتوجت بدموية مرحلة الوصول بالشعب الفلسطيني إلى ركن الالتزام الذاتي بعدم ممارسة الحق في النقد.
وفي نفس السياق، ماتزال النصوص التي تقوض حرية الرأي والتعبير وحرية العمل الصحفي في قوانين العقوبات الفلسطينية وقانون المطبوعات والنشر سارية بالمخالفة لالتزامات فلسطين بموجب المادة (2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي أوجدت على فلسطين التزاماً بموائمة تشريعاتها مع ما ورد في الاتفاقية. وكذلك يغيب عن منظومة التشريع الفلسطيني قوانين تحمي حرية الوصول للمعلومات وحرية العمل الصحفي، امعاناً في تجاهل الالتزامات سابقة الذكر.
وإذ يعرب المركز عن خشيته من مأسسة حالة “اللاحرية” في ثقافة الشعب الفلسطيني، فإنه في اليوم العالمي لحرية الصحافة والذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو، يؤكد على أن الحرية، وخاصة حرية التعبير حق أصيل للإنسان، وأن العمل الصحفي الحر أمر لا غنى عنه لكشف حقيقة الاحتلال الاسرائيلي من جهة، ومؤشر وشرط أساسي لتحقيق الديمقراطية على المستوى الداخلي من جهة أخرى.
ولذا يطالب المركز المجتمع الدولي، سيما الدول السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة بإلزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين، والامتناع الفوري عن ملاحقته الصحفيين والاعتداء عليهم، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الصحفيين.
ويطالب المركز السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة باحترام حرية العمل الصحفي والالتزام بالمعايير الدولية ذات العلاقة، سيما تلك الواردة في التعليق العام رقم 34 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان المعنية بتطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ويؤكد المركز على ضرورة سن قانون يحمي حرية الوصول للمعلومات وحرية العمل الصحفي في فلسطين، وأن تتم مواءمة التشريعات طبقاً للمعايير الدولية وأفضل التطبيقات، والشروع فوراً في محاسبة كل من ارتكب انتهاكات بحق الصحفيين وأصحاب الرأي.