29 أيلول/سبتمبر 2000 – 11 نيسان/إبريل 2001
شهدت الانتفاضة الفلسطينية الجديدة(انتفاضة الأقصى)، والمستمرة حتى يومنا هذا، نمطاً جديداً في تعامل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي مع مجرياتها. ولأول مرة منذ الرابع من حزيران 1967، تستخدم هذه القوات، وعلى نطاق واسع، آلات حربية عسكرية لم يجر استخدامها من قبل. فقد صعدت دولة الاحتلال من عمليات الاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، وبهدف القتل العمد، واستخدمت أساليب القصف الصاروخي والمدفعي من طائرات حربية مقاتلة، ودبابات ومدرعات وزوارق حربية. كما استخدم جنود الاحتلال الأسلحة الرشاشة من العيارين الثقيل والمتوسط ضد المتظاهرين الفلسطينيين، وعمدت إلى استخدام الجنود القناصة والرصاص الكاتم للصوت ضدهم. وقد شملت العمليات الحربية الإسرائيلية، وبشكل مكثف المنشآت المدنية والأحياء السكنية للمدنيين الفلسطينيين، إضافة إلى العديد من مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
في خضم هذه المواجهات والهجمات الدامية، التي اندلعت في كافة محافظات ومدن وقرى فلسطين المحتلة، منذ 29 سبتمبر 2000، تعرضت الطواقم الطبية ورجال المهمات الطبية وعربات الإسعاف وعيادات ومراكز الاستشفاء الثابتة والميدانية، إلى العديد من الانتهاكات الجسيمة التي مارسها جنود الاحتلال والمستوطنون الإسرائيليون وآلاتهم الحربية. ومما يؤكد أن هذه العمليات كانت تتم عن قصد، وضمن منهج مخطط مسبقاً، أن الاستخدام المفرط للقوة وبشكل عشوائي، لم يميز بين المدنيين، كما لم يميز أفراد المهمات والطواقم الطبية التي كانت تعمل في الميدان. وعلى الرغم من اللباس المميز الذي يرتديه هؤلاء الأطباء والممرضون والمسعفون، ورغم سهولة تمييز عربات الإسعاف، إلا أنها كانت هدفاً دائماً لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، ولعناصر المستوطنين الذين ينتشرون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تعتبر العمليات العدوانية الحربية، التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين، ضد المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني. وتصنف هذه الأعمال بالمخالفات الجسيمة، وفقاً لإتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين زمن الحرب لعام 1949. وقد مثل استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الطواقم الطبية وعرباتهم، شكلاً من أشكال القتل العمد، والذي يندرج في إطار المخالفات الجسيمة وفقاً لما تنص عليه المادتين 146، 147.[1][1]
فقد حددت المواد (المادة 14 وحتى المادة 23) من الاتفاقية وجوب إنشاء مناطق ومواقع للاستشفاء، بما فيها مناطق الاستشفاء الميداني الآمنة، والتي تسمح بحماية الجرحى والمرضى المدنيين الذين لا يشتركون في أية أعمال ذات طابع عسكري، وذلك في حالة نشوب الأعمال العدائية. وأكدت على منع مهاجمة المستشفيات المدنية المعدة لتقديم الرعاية الصحية للجرحى. كما تنص المادة 20 من الاتفاقية على وجوب احترام وحماية الموظفين العاملين في إدارة وتشغيل المستشفيات، بمن فيهم طواقم الإسعاف والممرضين والمسعفين الذين يقومون بنقل وإخلاء الجرحى من أماكن العمليات ذات الطابع العسكري. وتنص المادة 23 إلى التزام الأطراف السامية المتعاقدة بكفالة حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية. وقد عزز البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والمتعلق بضحايا المنازعات المسلحة الدولية، آليات حماية رجال المهمات الطبية، وتسهيل عمليات نقل الجرحى والمصابين في مناطق الأعمال الحربية، وكرس ضرورة حمايتهم وعدم التعرض لهم بأية أعمال تسبب لهم الأذى والضرر.[2][2]
يسلط هذا التقرير الضوء على الانتهاكات الجسيمة، التي مارستها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين، ضد الطواقم الطبية الفلسطينية، لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويتناول التقرير، على وجه التحديد، انتهاك حق رجال المهمات والفرق الطبية الفلسطينية في الحياة والأمان والسلامة، وحقهم في الحركة والتنقل بوسائط نقلهم ومركباتهم لإنقاذ حياة الجرحى والمصابين، وحق الحماية التي تكفلها كل المواثيق والاتفاقيات الدولية في كل من وقت السلم وكذلك وقت الاحتلال الحربي. ويغطي هذه التقرير الفترة منذ بدء انتفاضة الأقصى في التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2000، وحتى الحادي عشر من نيسان/ أبريل 2001.