مقدمــــة
هذا هو التقرير الرابع من نوعه الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حول أعمال التجريف والهدم في الأراضي الزراعية والمنازل والمنشآت المدنية، بينها مصانع وورش، في قطاع غزة منذ اندلاع المواجهات بين المدنيين الفلسطينيين وقوات الاحتلال بتاريخ 29/9/2000. ويغطي التقرير فترة من تاريخ 19/12/2000 وحتى 15/1/2001، وذلك استكمالاً للتقارير الثلاثة السابقة حول الفترة من تاريخ 29/9 – 18/12/2000.
بلغ مجموع الأراضي التي جرفتها قوات الاحتلال في قطاع غزة منذ تاريخ 29/9 وحتى تاريخ 15/1/2001 ما مساحته 6292.5 دونم، 4776.5 دونم (76%) منها من الأرض الزراعية ونحو 1515 دونم (24%) من الأرض الحرجية والرملية. وخلال الفترة من 19/12/2000 وحتى 15/1/2001، جرفت قوات الاحتلال ما مساحته 1835.5 دونم من الأرض، منها 1240.5 دونم (67.6%) من الأرض الزراعية مقابل 595 دونم (32.4%) من الأرض الحرجية. ولا تشمل هذه الأرقام مساحات المنازل والمنشآت المدنية والزراعية المقامة خارج تلك الأراضي والتي تعرضت هي الأخرى للتجريف والهدم. وعدا عن تدمير الآبار وبرك المياه والمخازن والغرف المقامة في الأراضي الزراعية، هدمت جرافات الاحتلال 88 منزلاً سكنياً في الأراضي التي طالتها أعمال التجريف وشردت من فيها من أسر، وذلك خلال الفترة من تاريخ 29/9/2000 وحتى تاريخ 15/1/2001.
إن ما يتم تنفيذه من قبل قوات الاحتلال ضد الأراضي والممتلكات الفلسطينية هو التنفيذ المكثف والأسوأ لسياسات الحكومات المتعاقبة في إسرائيل والهادفة إلى خلق وقائع جديدة على الأرض يصعب تغييرها في المستقبل. ولا يقتصر الأمر على إلحاق خسائر فادحة بالاقتصاد الفلسطيني من خلال اقتلاع آلاف الأشجار المثمرة والدفيئات الزراعية التي تمثل عماد القطاع الزراعي الفلسطيني، بل التسبب بخسائر مزمنة لأعوام قادمة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، هذا على افتراض أن المدنيين الفلسطينيين سيتمكنون من إعادة زراعة أرضهم في المستقبل. وعدا عما يشكله ما حدث فعلاً من انتهاك جسيم للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الفردية والجماعية، فإن الخطورة تكمن أيضاً في ضم أجزاء من الأراضي التي تم تجريفها للمستوطنات بالفعل أو استخدامها كمواقع عسكرية وطرق التفافية ومحيط أمني لقوات الاحتلال.
إن جملة ما تقوم به قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو انتهاك سافر لمعايير القانون الدولي الإنساني، ويشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966. وبموجب المادة 53 من الاتفاقية “يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.” كما تحظر المادة 147 من الاتفاقية على قوات الاحتلال الحربي القيام بأعمال “تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية….،” باعتبارها مخالفات جسيمة للاتفاقية.
وأعمال التجريف والتدمير للممتلكات التي تواصل قوات الاحتلال تنفيذها على نطاق واسع تخرج عن نطاق الضرورات الحربية ولا يمكن تفسيرها إلا في نطاق العقوبات الجماعية والأعمال الانتقامية ضد المدنيين التي تحظرها الاتفاقية أيضاً بموجب المادة 33. وتنص هذه المادة على أنه “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب. السلب محظور. تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.”
وتتناقض هذه الأعمال مع العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966. فقد جاء في المادة 1 أنه “لا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.” وتحظر المادة 5 من العهد على أي دولة أو جماعة أو شخص مباشرة “أي نشاط أو القيام بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد…”
وقد طالت أعمال التجريف والهدم التي نفذتها قوات الاحتلال في الأراضي الزراعية والمنازل السكنية هذه الأعمال منذ اندلاع المواجهات بين المدنيين الفلسطينيين وقوات الاحتلال حتى الآن نحو 6300 دونم من الأراضي الزراعية والحرجية و85 منزلاً سكنياً، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالمنشآت المدنية والزراعية، واقتلاع الآلاف من الأشجار المثمرة، وتدمير مئات الدفيئات الزراعية وإتلاف المزروعات وشبكات الري الزراعي ومضخات المياه وغير ذلك. ومن المتوقع ضمن السياسة المتبعة بصورة متزايدة خلال الأشهر الماضية أن تواصل قوات الاحتلال أعمالها بصورة منهجية ومستمرة، في ظل إحكامها السيطرة الكاملة على نحو 42% من مساحة قطاع غزة (نحو 150 كيلو متر مربع من مساحة القطاع الإجمالية التي تبلغ 365 كيلو متر مربع،) مما سيؤدي إلى استمرار تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين. ومن غير المتوقع توقف هذه الأعمال على المدى المنظور، الأمر الذي يعني تكريس وقائع جديدة من قبل قوات الاحتلال العسكري، التي لا تزال تقوم بتكثيف وجودها وإقامة مواقع عسكرية جديدة لها في كافة أنحاء القطاع.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إذ يدين هذه الانتهاكات والأعمال غير القانونية التي تقترفها قوات الاحتلال والتي يواصل توثيقها ونشرها، فإنه يؤكد مجدداً مطالبته للمجتمع الدولي، وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، اتخاذ إجراءات عملية لردع سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، ويدعوها إلى إعمال نص المادة الأولى من الاتفاقية، لضمان احترامها، ولوقف الاعتداءات المتكررة على ممتلكات السكان المدنيين، ومنع تكرارها.
كما يدعو المركز المجتمع الدولي إلى توفير الحماية الدولية الفورية للسكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كخطوة أساسية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أرواحهم وممتلكاتهم.
وفيما يلي تفاصيل أعمال التجريف والهدم التي نفذتها قوات الاحتلال خلال الفترة من 19/12/2000 وحتى15/1/2001. وفي نهاية التقرير جدولين يوضحان مساحات الأراضي التي تم تجريفها والمنازل السكنية التي تم هدمها منذ اندلاع المواجهات بتاريخ 29/9 وحتى تاريخ 15/1/2001.