تلقي الأزمة التي تعصف بجامعة الأقصى الحكومية في قطاع غزة، كبرى الجامعات الفلسطينية الحكومية، بظلالها السلبية على مستقبل هذا الصرح الأكاديمي، ويهدد مصير ومستقبل أكثر من 27000 طالب وطالبة، فضلاً عن مستقبل أكثر من 1000 موظف أكاديمي وإداري يعملون فيها. وتؤدي تلك التطورات إلى عزوف كبير لآلاف الطلبة والطالبات من خريجي الثانوية العامة لهذا العام عن التوجه للتسجيل والالتحاق بالجامعة، وهو ما يهدد مستقبلها ومسيرتها التعليمية. وتنعكس أزمة الجامعة على مستقبل الطلبة الخريجين حديثاً منها، حيث باتوا يكابدون العديد من المشاكل أهمها الصعوبات والعراقيل في تصديق واعتماد شهاداتهم الدراسية، وذلك بسبب تبادل الاتهامات بين كل من وزارة التربية والتعليم في حكومة التوافق في رام الله ووزارة التربية والتعليم في غزة، وذلك على خلفية إصدار الطرفين قرارات وتعليمات باتت تشل عمل الجامعة وتؤثر على استمراريتها.
وتقول وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله أن سلسلة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها، بما فيها قرار الوزير تكليف رئيس مجلس أمناء الجامعة بمهام رئيس الجامعة بتاريخ 8 أغسطس 2016، ليتسنى لطلبة الجامعة من الخريجين والخريجات استكمال تصديق شهاداتهم، كانت بهدف حماية الطلبة من تدخل وزارة التربية والتعليم في غزة والتي اتخذت جملة من الإجراءات غير القانونية، والتي تضر بمسيرة الجامعة على حد وصف الوزارة في رام الله. وفي المقابل ترفض وزارة التربية والتعليم في غزة سياسات وقرارات الوزارة في رام الله، بما فيها قرارات الوزير في حكومة التوافق الوطني، والتي أثارت مخاوف آلاف الطلبة الجدد من خريجي الثانوية العامة، ما أدى إلى عزوفهم عن التسجيل في الجامعة، فضلاً عن اتهام الوزارة في رام الله بتجميد أموالها وحجبها، ما يؤثر على توفير النفقات المالية التشغيلية الخاصة بالجامعة ويعطل مسيرتها. وتتهم وزارة التربية والتعليم في غزة الوزارة في رام الله بالمسؤولية عن تعطيل الاتفاق السابق المبرم، والذي تم التوافق خلاله على جملة من القضايا العالقة في الجامعة، بما فيها تعيين د. على أبو زهري رئيساً للجامعة وحل جملة من القضايا المالية والخاصة بمصاريف الجامعة وكذلك حل مشاكل كادرها الأكاديمي والإداري.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وهو يصدر هذه الورقة عن أزمة جامعة الأقصى، وما يحدث فيها من اعتداءات على الحق في التعليم العالي، إذ ينطلق من إيمانه العميق بضرورة رفع يد كل الأطراف المسببة لهذه الأزمة وتفاقمها، بما يعزز ويحمي حق طلبة الجامعة في التعليم العالي في بيئة إيجابية تساعد على تطوير العملية التعليمية الجامعية، وتحمي حق ألاف الطلبة الجدد الراغبين في التسجيل فيها كما يحمي ويعزز الاستقرار الوظيفي، وبالتالي الاقتصادي، لمئات العاملين فيها من الموظفين الأكاديميين والإداريين، ويدفع باتجاه تعزيز دور الجامعة العلمي والمهني في خدمة المجتمع وتلبية احتياجاته في مجال إعداد وتخريج القدرات والكفاءات المختلفة في الجامعة.
يذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان اعتبرت الحق في التعليم حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وهو حق تمكيني يعتمد إعمال الحقوق الأخرى على تطبيقه واحترامه، ووضعت جملة من المعايير التي يجب توافرها في التعليم، كما وردت في الفقرة الثانية من المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادة (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما يشير المركز إلى ما أكده المشرع الفلسطيني بشأن الحق في التعليم العام والعالي في العديد من القوانين الفلسطينية، حيث تنص الفقرة (3) من المادة 24 من القانون الأساسي المعدل للسلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2005 على أن: ” يكفل القانون استقلالية الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي، ويضمن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والثقافي والفني، وتعمل السلطة الوطنية على تشجيعها وإعانتها.وتنص المادة (2) من قانون رقم (11) بشأن التعليم العالي لعام 1998 على أن: “التعليم العالي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط العلمية والموضوعية المحددة في هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه”، ما يتفق مع المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بشأن حق كل شخص في التعليم العالي، على أساس توفر شروط الأهلية والموضوعية في مرحلة التعليم العالي. كما حددت أهداف التعليم العالي، وصلاحيات وزارة التعليم العالي والوزير وخصوصيات مؤسسات التعليم العالي وطبيعة إدارة هذه المؤسسات.
ويرى المركز أن جامعة الأقصى، بوصفها جامعة حكومية، تستند في عملها إلى قرار مجلس الوزراء رقم (4) لعام 2009 بشأن النظام الأساسي للجامعات الفلسطينية الحكومية، وهو الذي ينظم الدراسة الأكاديمية ويحافظ على استقلاليتها وعملها المهني بعيداً عن أية تدخلات تحرف الجامعات عن أهدافها العلمية والأكاديمية، ما ينبغي أن تعمل وفقه جميع الأطراف ذات العلاقة باعتباره الإطار القانوني الذي ينظم الحياة الجامعية في كافة الجامعات الحكومية الفلسطينية.
حقائق أزمة جامعة الأقصى
يعود تأسيس جامعة الأقصى في مدينة غزة إلى عام 1955، حيث افتتحت كمعهد للمعلمين في المدينة زمن الإدارة المصرية على القطاع، بهدف إعداد وتأهيل طلبة القطاع من خريجي الثانوية العامة كمعلمين تربويين في المراحل الدراسية الأساسية، وكان المعهد حينها يمنح الطلبة دبلوم تربية متوسط بعد إتمام الدراسة خلال عامين. وتحول المعهد في العام 1991 إلى كلية، أطلق عليها تسمية كلية التربية الحكومية في غزة، وتحول نظام الدراسة فيها إلى نظام البكالوريوس أو الليسانس في التربية بعد أن طورت إدارة الكلية في حينه الخطط الأكاديمية والمنهاج الدراسي. وبتاريخ 21/9/2001، اعتمدت كجامعة فلسطينية حكومية باسم جامعة الأقصى، بموجب قرار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وذلك بفضل التطورات التي طرأت على أقسامها المختلفة وارتفاع أعداد طلبتها والعاملين فيها من كوادر أكاديمية وإدارية. وقد شهدت الجامعة توسعاً أفقياً وعمودياً على مستوى قدرتها الاستيعابية، ورافقه توسعاً في المباني والفروع المخصصة للجامعة على مستوى قطاع غزة. كما تزامن ذلك مع التوسع في عدد الكوادر البشرية العاملة فيها، وخاصة على مستوى الكادر الأكاديمي والكادر الإداري، ووصل عددهم إلى (801) شخصاً من الموظفين الدائمين و(239) من الموظفين على بند العقود. وبلغ عدد طلبة وطالبات الجامعة أرقاماً وصلت إلى نحو 27.000 طالباً وطالبة موزعين على كافة كليات الجامعة وأقسامها المختلفة.
وفي أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في العام 2007، تعرضت الجامعة، أسوة بباقي المؤسسات والهيئات الحكومية الأخرى، إلى تدخلات عديدة، ما أدى إلى تعطل عدد من أوجه النشاط الأكاديمي بالجامعة. وأوقفت أوجه النشاط النقابي على مستوى الطلبة والعاملين فيها، حيث منع إجراء انتخابات كل من مجلس طلبة الجامعة وانتخابات لجنة العاملين فيها. وقد شهدت الجامعة ارتفاعاً في وتيرة الصراع والاشتباكات على مستوى الحركة الطلابية فيها، وخاصة بين طلبة الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس وطلبة الكتل الأخرى، وخاصة طلبة حركة الشبيبة الطلابية المحسوبة على حركة فتح. كما جرى الاعتداء على بعض العاملين في الجامعة في بعض الأحيان.
وقد تفاقمت أزمة الجامعة تدريجيا منذ العام 2009، واستمرت حتى لحظة إصدار هذه الورقة. ويمكن تتبع هذه تطورات تفاقم أزمتها على النحو التالي:
بتاريخ 7/11/2009، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة الفلسطينية بغزة عن إقالة د. على زيدان أبو زهري، كرئيس لجامعة الأقصى، وتعيين مجلس رئاسي مكون من النواب الثلاثة للرئيس وفقاً للوائح الداخلية للجامعة دون أن يحدث أي تغيير على مستوى العاملين والموظفين في الجامعة. وفي حينه، برر د. محمد عسقول، وزير التربية والتعليم في الحكومة الفلسطينية في غزة، بأن قرار الإقالة كان مهنيا وبعيدا عن أي ملابسات سياسية، وأنه جاء بعد تراكمات كثيرة أهمها رفض د. أبو زهري تنفيذ تعليمات وقرارات الوزارة، بالإضافة إلى سفره خارج قطاع غزة دون إذن مسبق من النائب العام والوزارة. جدير بالذكر أن النائب العام كان قد أصدر قراراً منع بموجبه د. أبو زهري من السفر، وقد قوبل هذا القرار بإدانة من وزارة التربية والتعليم في الحكومة الفلسطينية في رام الله، والتي شكلها الرئيس، واعتبرت ذلك استيلاءً من الحكومة في غزة على جامعة الأقصى، واعتبرت أن قرار الإقالة والتعيين هو من صلاحيات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وقد فررت الحكومة في رام الله إغلاق الجامعة لمدة شهر، واعتبرت الحادثة اعتداءً على رأس السلطة الفلسطينية. كما جرى تحويل أموال الجامعة إلى حساب خاص في أحد البنوك الفلسطينية المعتمدة في رام الله، وقطعت الحكومة في رام الله مرتبات عدد من العاملين في الجامعة.
بتاريخ 20/1/2010، تم تعيين د. سلام زكريا الأغا قائماً بأعمال رئيس الجامعة بالتوافق، واستمر في عمله حتى يناير2015، وجرى خلال تلك الفترة تعيين (265) موظفاً، منهم (71) موظفاً أكاديمياً (84) موظفاً إدارياً و (110) موظفين على نظام العقود المؤقتة. وقد صرفت رواتب هؤلاء الموظفين من موازنة الجامعة في غزة، حيث فتحت إدارتها في حينه حساباً بنكياً لها في البنك الوطني الإسلامي في غزة، وهو بنك غير مرخص من قبل سلطة النقد الفلسطينية. وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على الإدارة المالية للجامعة، والتي أصبحت تدار من طرفين هما وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة الفلسطينية في رام الله والحكومة الفلسطينية في غزة، وهو ما أدى لاستحواذ كل طرف منهما على إيرادات الجامعة التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الرسوم الدراسية للطلبة.
وبتاريخ 21/3/2015، توصل كل من د. كمال الشرافي رئيس مجلس أمناء جامعة الأقصى والمكلف من الرئيس أبو مازن لمتابعة أزمتها، مع الأستاذ كمال أبو عون، ممثلاً عن حركة حماس، إلى اتفاق تضمن حلاً للعديد من المشاكل التي تعاني منها الجامعة، والتي استمرت منذ الانقسام السياسي في حزيران من العام 2007. وقد تولي د. على أبو زهري رئاسة الجامعة، وفقاً لذلك، وباشر عمله. وقد احتوت الاتفاقية على جملة من المسائل التي تم الاتفاق عليها، وهي ما يلي:
يتم اتخاذ جميع القرارات في مجلس الأمناء بالتوافق.
مرجعية جامعة الأقصى هي وزارة التربية والتعليم العالي مع الالتزام بالتنسيق مع الجهات المختصة في الوزارة بقطاع غزة.
يعتمد توقيع الشيكات المالية للجامعة من قبل ثلاثة أشخاص من أصل أربعة، وهم: رئيس مجلس الأمناء، رئيس الجامعة، المدير المالي ورئيس اللجنة المالية في مجلس الأمناء.
دفع رواتب العاملين ممن قطعت رواتبهم على الأسس التالية:
البدء الفوري في دفع الرواتب من مخصصات الجامعة حسب قانون الخدمة المالية.
دفع مخصصات التأمينات والمعاشات شهرياً، على أن يدفع مع استحقاق شهر آخر بأثر رجعي.
إنهاء مشكلة رواتب العاملين في الجامعة يشكل رسمي في مدة أقصاها شهر يونيو من العام 2015.
تسييل أموال الجامعة المجمدة حال توقيع الاتفاق بحيث تستخدم في احتياجات الجامعة من مصروفات تشغيلية وتطويرية.
تسوية أوضاع جميع الموظفين الذين انتقلوا من الوزارات إلى التعليم العالي حسب النظام المعمول به على أن يتم ذلك حتى نهاية الفصل الدراسي (شهر سبتمبر2015).
تشكيل لجنة بالتوافق من رئيس الجامعة وممثل عن مجلس الأمناء وممثل عن الوزارة في غزة لمعالجة تعيين الموظفين أصحاب العقود المؤقتة.
وبعد مرور نحو 4 شهور من توقيع الاتفاقية، وتولي د. أبو زهري رئاسة الجامعة، لم يتمكن خلالها من الوفاء بالتزاماته نتيجة وضع العراقيل أمامه من طرفي الانقسام السياسي، وخاصة تجاه الوفاء بالالتزامات المالية الخاصة بالرواتب، وعلى ضوء استمرار طرفي الانقسام السياسي في حجز أموال الجامعة في البنوك سواء لدى الوزارة في رام الله أو لدى الحكومة في غزة، أي عدم الالتزام بتسييل الأموال (من قبل الطرفين)، مما انعكس سلبا على أداء العاملين في الجامعة وعرقل أداء رئيس الجامعة لمهامه، وهو ما اضطره إلى تقديم استقالته في بداية أغسطس 2015.
على ضوء ذلك كلفت وزيرة التربية والتعليم العالي آنذاك د. خولة الشخشير د. عبد السلام أبو زايدة للقيام بأعمال رئيس الجامعة، بوصفه أحد الأساتذة الثلاثة الذين كانوا مرشحين لرئاسة الجامعة أثناء اختيار د. على أبو زهري، وذلك خشية من بقاء الجامعة في فراغ إداري، علماً بأنه كان قد رشح من الوزارة في غزة أثناء الاتفاق المذكور.
ولم تقبل وزارة التربية والتعليم في غزة قرار تكليف د. أبو زايدة، ولم يسمح له باستلام مهامه كقائم بأعمال رئيس الجامعة، وعينت بدلاً منه د. محمد رضوان، وبررت ذلك بأنه أقدم النواب، حيث كان تعيينه في الجامعة بتاريخ 26/9/ 1992، وأن قرار رقم (4) للعام 2009، بشأن النظام الأساسي للجامعات الفلسطينية الحكومية، ينص في المادة (17) على ” تعيين الأقدم في الخدمة مكلفاً بأعمال رئيس الجامعة إلى حين تعين رئيس جديد”. ولم يكن د. رضوان أقدم النواب، حيث لوحظ أن د. نهاد اليازجي، وهو مساعد رئيس الجامعة لشئون تنمية المجتمع، كان قد عين بتاريخ 23/ 9/ 1992، أي قبل د. رضوان بثلاثة أيام، كما تنص المادة (17) من القرار المذكور على: ” 1- يعاون الرئيس النواب والمساعدون في إدارة شؤون الجامعة، وتحدد التعليمات صلاحيتهم. 2- يجوز للرئيس أن يكلف أحد نوابه أو مساعديه ليقوم مقام رئيس الجامعة عند غيابه. 3- في حال خلو منصب الرئيس كلياً يكون أقدمهم في الخدمة قائماً بأعمال الرئيس لحين تعيين رئيس جديد للجامعة وفق أحكام هذا النظام”.
وقد باشر د. محمد رضوان عمله وقام بتعيين عدد من العاملين الجدد، وهو ما أثار حفيظة وزارة التربية والتعليم في حكومة التوافق الوطني، وقامت بتاريخ 16/8/2015 بمخاطبة رئيس مجلس الأمناء طالبة منه العمل على وقف التعيينات الجديدة، ووقف كافة المعاملات الخاصة بالجامعة والموجهة للوزارة في رام الله.
وبتاريخ 7/9/2015 وجه الوكيل المساعد لوزارة التعليم العالي في حكومة التوافق الوطني رسالة لرئيس مجلس أمناء الجامعة يمهله فيها أسبوعاً لوقف إجراءات التعيين في الجامعة، وهدد بإلغاء ترخيص الجامعة في حال عدم التنفيذ.
وبتاريخ 3/11/2015، وجه الوكيل المساعد لوزارة التعليم العالي في حكومة التوافق رسالة أخرى لأعضاء مجلس الجامعة، طالبهم فيها بعدم الالتزام بحضور جلسات مجلس الجامعة، وهدد من يخالف من الأعضاء بعقوبات إدارية ومالية، إضافة إلى عدم اعتماد البرامج الجديدة والتلويح بإعفاء طلبة الجامعة من الرسوم الدراسية. وقد فوجئ عدد من العاملين في الجامعة، من بينهم 10 موظفين أكاديميين و 3 موظفين إداريين، في اليوم التالي بحجز رواتبهم، وذلك بقرار من وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني، وذلك بدعوى عدم التزامهم بقرارات الوزارة.
وقد اتخذت وزارة التربية والتعليم في غزة قراراً بإعفاء 4 من أعضاء مجلس الجامعة، وذلك بسبب التزامهم بتعليمات وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني، بعدم حضور جلسات مجلس الجامعة.
وبتاريخ 30/12/2015، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني، إعفاء طلبة جامعة الأقصى من الرسوم الدراسية، غير أن وزارة التربية والتعليم في غزة لم تلتزم بهذا القرار، وأجبرت الطلبة على دفع الرسوم الدراسية.
وبتاريخ 23/5/ 2016، طالبت وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني جميع الموظفين المنقولين للعمل في جامعة الأقصى بالعودة إلى أماكن عملهم السابقة، وهدد من لا يلتزم باتخاذ إجراءات مالية وإدارية.
وفي 4/8/2016، اتخذت وزارة التربية والتعليم في حكومة التوافق الوطني قراراً بحجز رواتب اثنين من أساتذة الجامعة المحسوبين على حركة حماس، وذلك بعد قيامهم بافتتاح المبنى الجديد على شرف د. محمد عوض، بوصفه مسئول ملف التعليم العالي في حركة حماس، وبررت ذلك بتجاوز الإشارة إلى د. صبري صيدم وزير التربية والتعليم العالي.
بتاريخ 8/8/2016، اتخذ د. زياد ثابت، وكيل الوزارة المعين من قبل الحكومة السابقة في غزة، قراراً بإبعاد ثلاثة من العاملين في الجامعة بوصفهم ممثلين عن المكتب الحركي لحركة فتح في الجامعة، وهم د. أيوب الدلو؛ د. محمد أبو عودة و المهندس إياد خلف، ونقلهم إلى كليات متوسطة بعيدة عن الجامعة، وبرر ذلك بمصلحة العمل. ويشير هذا القرار إلى تغليب الجوانب السياسية على الجوانب المهنية، خاصة وأن الجامعة بحاجة لتخصصاتهم، كما أن قرار النقل لكليات أخرى لا تتوفر فيها الحاجة لمثل هذه التخصصات.
وبتاريخ 9/8/2016، ورداً على القرار المشار إليه، دعت وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني الطلبة الجدد بعدم التسجيل في جامعة الأقصى خشية من إمكانية عدم الاعتراف بشهاداتهم، وهو ما أدى إلى عزوف ألاف الطلبة عن التسجيل والانتقال للتسجيل في جامعات أخرى، وأكدت الوزارة عدم اعترافها بشهادات الطلاب القدامى إلا إذا كانت موقعة من رئيس مجلس “الأمناء” عليها. وفي نفس اليوم، أصدرت الوزارة في حكومة التوافق الوطني قراراً بتكليف رئيس مجلس الأمناء القيام بمهام رئيس الجامعة للعمل على إيجاد حلول لها.
بتاريخ 18/8/2016، اتخذت وزارة التربية والتعليم في غزة جملة من الإجراءات التعسفية، عبر إدارة الجامعة، بحق عدد جديد من العاملين فيها، حيث أوقفت 9 أشخاص من العاملين عن العمل، وأحالتهم إلى لجنة تحقيق، وهم : م. محمود عاشور، أ. احمد الريس، أ. مختار العزيزة، أ. محمود أبو سمرة، أ. نور الكرد، م. على نجم، أ. إياد الحرازين، أ.نزار أبو زهري، أ. سامر أبو عجوة. وأصدرت وزارة التربية والتعليم بغزة قراراً باستبدال ثلاثة من أعضاء مجلس الجامعة، وهم د. نهاد اليازجي، مساعد رئيس الجامعة لتنمية وخدمة المجتمع، د. رياض أبو زناد، عميد التعليم المستمر و د. عبد الجليل صرصور، عميد كلية الآداب، وعينت ثلاثة أساتذة آخرين كان قد تم تعيينهم من قبل ديوان الموظفين في غزة.
تداعيات تفاقم أزمة الجامعة
تداعيات الأزمة على العاملين في الجامعة:
يبلغ عدد العاملين في جامعة الأقصى (1040) موظفاً ما بين أكاديمي وإداري. من بينهم (454) أكاديمياً و (346) موظفاً إدارياً، ومنهم (239) موظفاً بنظام العقود المؤقتة. والجدول التالي يوضح توزيعهم.
أكاديميون
إداريون
منقولون تعسفي
موقوفون تعسفي
منتدبون
عقود مؤقتة
مقطوعة/ مجمدة رواتبهم
رام الله
غزة
رام الله
غزة
رام الله
غزة
رام الله
غزة
رام الله
غزة
239 منهم حوالي 150 من غزة
رام الله
غزة
327
120
221
107
3
/
18
/
5
/
25
المجموع 1040
يوضح الجدول السابق أن 569 موظفاً في الهيئة الأكاديمية والإدارية بجامعة الأقصى يتقاضون رواتبهم من حكومة التوافق الوطني. ويمكن القول أن هؤلاء الموظفين باتوا مهددين في مصيرهم المهني وأمنهم الوظيفي في ظل استمرار المناكفات السياسية. وما يعزز هذا التهديد أن 25 موظفاً كانت قد قطعت رواتبهم من وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني. كما بلغ عدد المنقولين والموقوفين بشكل تعسفي من قبل وزارة التربية والتعليم في غزة 21 موظفاً، وهو ما يزيد المخاوف باستمرار تلك السياسة القائمة على أساس سياسي بعيداً عن المبررات المهنية وحاجة الجامعة. كما بات الموظفون يخشون من قرارات إحلال ونقل موظفين آخرين في الجامعة، حيث تظهر البيانات أن عدد من تم تعينهم من قبل وزارة التربية والتعليم في غزة قد وصل إلى 227 موظفاً في كل من الهيئة الأكاديمية والإدارية، فضلاً عن 150 موظفاً كان قد جرى تعيينهم وفقاً لنظام العقد المؤقت منذ 2010 وحتى لحظة إعداد هذه الورقة.
تداعيات الأزمة على طلبة الجامعة:
وضعت الخلافات مستقبل ما يزيد عن 27 ألف من طلبة الجامعة على المحك، خاصة أولئك الذين في سنوات دراستهم النهائية وكذلك الطلبة الجدد الذين عبروا عن خشيتهم من التسجيل في الجامعة، بعد أن أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله عدم اعترافها بشهاداتهم الجامعية، وفي ظل استمرار نظيرتها في غزة رفض القرارات الأخرى في رام الله، وعدم السماح لرئيس الجامعة بممارسة مهامه. وقد عانت الجامعة هذا العام من انهيار نسب التسجيل مقارنة بالسنوات الماضية. حيث تشير المعلومات الأولية إلى انحدار شديد في الطلبة الجدد، والذي وصل نحو 500 طالب وطالبة للعام الدراسي الحالي، وهو مؤشر خطير إذا ما قورن بالمعدل السنوي والذي كان يتراوح بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف طالب طالبة سنويًا.
موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
في التطورات المشار إليها أعلاه، يعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن بالغ القلق تجاه ما آلت إليه الأمور في أكبر جامعة فلسطينية حكومية. ويعيد المركز التأكيد على أن أزمة الجامعة هي أزمة سياسية بامتياز، وهو ما يتطلب من طرفي الانقسام السياسي تغليب المصلحة العليا للطلبة، واحترام الأنظمة والقوانين بشأن حق كل فلسطيني في التعليم العالي، بما يساهم في خدمة المجتمع وفقاً لاحتياجاته التنموية. ويؤكد المركز أن العديد من القرارات الصادرة عن وزارة التربية التعليم في غزة تمثل مخالفة للقوانين والأنظمة، بما فيها قرار رقم (4) لعام 2009 بشأن النظام الأساسي للجامعات الفلسطينية الحكومية، وتمثل انتهاكاً واضحاً لنصوصه باعتباره الناظم للحياة الأكاديمية والإدارية في الجامعة. كما يحمل المركز وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق المسؤولية عن العديد من التجاوزات، والتي صدرت عنها في إطار رد الفعل على قرارات الوزارة في غزة، ما يعصف بمستقبل الجامعة وطلبتها وهيئتها الأكاديمية والإدارية، ويهدد المستقبل التعليمي لآلاف الطلبة المنتسبين للجامعة، فضلا عن ألاف الطلبة الجدد الذين عزفوا عن الالتحاق بها جراء استمرار المناكفات السياسية، وهو ما اضطرهم إلى الانتساب إلى الجامعات الأخرى والتي تعد أكثر تكلفة وتزيد من العبء الاقتصادي عليهم وعلى أسرهم. ومن الغريب أن تتفاقم تلك التطورات في ظل التدهور الكارثي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان في القطاع. وعليه يدعو المركز إلى:
التأكيد على احترام الحق في التربية والتعليم، بما في ذلك التعليم العالي، وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي تفرض التزامات قانونية على دولة فلسطين باتخاذ كافة التدابير الفورية والتدريجية التي تحترم وتعزز وتحمي حق كل مواطن فلسطيني في التعليم العالي.
أن تتولى وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة التوافق الوطني مسؤولياتها القانونية، باعتبارها الجهة القانونية صاحبة الصلاحية، تجاه جامعة الأقصى في قطاع غزة، وبما يحافظ على مصالح ومستقبل طالباتها وطلابها، واستمرار مسيرتها الأكاديمية دون أي تدخل من أي أطراف أخرى.
حل مشاكل كافة العاملين في الجامعة الذين تعرضوا لقرارات تعسفية صدرت بحقهم من قبل طرفي الأزمة.
تحييد جامعة الأقصى وكافة المؤسسات والمرافق التعليمية عن أتون الصراع السياسي الذي يهدد مستقبل الطلبة الدارسين في الجامعة، والطلبة الخريجين وكذلك خريجي الثانوية العامة الذين يعزفون عن الالتحاق بها بسبب مشاكلها الراهنة.
التأكيد على الشخصية المستقلة للجامعة من الناحية الإدارية والأكاديمية والذمة المالية وعليه يجب توحيد حسابات الجامعة المصرفية في حساب واحد معتمد، يجري التصرف فيه وفقاً للقانون( مرجعية الجامعة القانونية).
إعادة الرواتب المقطوعة للموظفين، والذي جاء نتيجة للمناكفات السياسية، كونه يمثل انتهاكاً للقانون والمعايير الدولية بشأن الحق في العمل.
تشكيل مجلس الجامعة وفقاً للوائح والقوانين وعدم الانجرار وراء المحاصصة غير المهنية.
البدء في اتخاذ إجراء فوري يكفل مصلحة الطلبة الخريجين لتسهيل إجراءات حصولهم على شهادات التخرج، ما بساعدهم على التوجه نحو بناء حياتهم ويعزز مشاركتهم في بناء المجتمع الفلسطيني الحر.
تمديد فترة التسجيل للعام الدراسي الجديد 2016-2017، وتوفير الضمانات التي تطمئن الطلبة الجدد الراغبين في التسجيل بالجامعة.
الحفاظ على استقلالية ومهنية الجامعة، واعتماد مبدأي الكفاءة والقدمية في مجال المنافسة على فرض التعيينات أو العمل في الجامعة، وبعيداً عن تغليب الانتماء السياسي، والذي يفقد الجامعة تميزها المهني ويحافظ على استقلاليتها كصرح أكاديمي مميز.
يؤكد على أهمية الدور المناط بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي، بما فيها طواقمها من الأكاديميين وأساتذة الجامعات، والذي يتمثل في إكساب جموع الطلبة المعارف والخبرات والمهارات اللازمة لهم لبناء مستقبله/ن بعد التخرج. وينبغي أن تستند رسالة الجامعة، عبر أساتذتها وكافة طواقمها الفنية والإدارية، على إثارة وتحفيز الطلبة، وتعزيز ملكات التفكير الناقد والإبداعي، وفقاً لمناهج وأدوات ومعارف علمية وأكاديمية تعزز من خبرات ومهارات الطلية، ويعزز فرصهم في المساهمة في بناء المجتمع الحر.